فصل في قول الله تعالى ما ننسخ من آية قال أبو محمد قال الله تعالى {ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن لله على كل شيء قدير} وقد قرىء أو ننسها ومعنى اللفظين مختلف فالنسخ قد بينا معناه وهو رفع الحكم وأما ننسها فمعناه من النسيان وهو رفع اللفظ جملة وأما ننسأها فهو من التأخير ومعناه أن يؤخر العمل بها إلى مدة معلومة ويفعل الله من كل ذلك ما شاء لا معقب لحكمه فصل في اختلاف الناس على النسخ اختلف الناس في النسخ على ما يقع أعلى الأمر أم على المأمور به قال أبو محمد والصحيح من ذلك أن النسخ إنما يقع على الأمر ولا يجوز أن يقع على المأمور به أصلا لأن المأمور به هو فعلنا وفعلنا لا يخلو من أحد وجهين إما أن يكون قد وقع منا بعد وإما أن يكون لم يقع منا بعد فإن كان قد وقع منا بعد فقد
فني لأن أفعالنا أعراض فانية ولا يجوز أن ينهى عما قد فني إذ لا سبيل إلى عودته أبدا وكذلك لا يجوز أن يؤمر أيضا بما قد فني لأنه لا يجوز أن يعود أيضا ولا أن يباح لنا ما قد فني أيضا لأن كل هذا محال وإن كان لم يقع منا فكيف ينسخ شيء لم يكن بعد فصح أن المرفوع إنما هو الأمر المتقدم لا الفعل الذي لم تفعله بعد فإذا قد صح أن الأمر هو المرفوع فهو المنسوخ والنسخ إنما يقع في الآمر لا في الأمر ولا في المأمور به وبالله تعالى التوفيق وبرهان ما ذكرناه قوله تعالى {ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن لله على كل شيء قدير} فأخبر تعالى أن الآية هي المنسوخة لا أفعالنا المأمور بها والمنهي عنها والآية هي