فصل في الاشتقاق قال أبو محمد واحتج بعضهم في إيجاب القول بالعلل وأن الأحكام إنما وقعت العلل بأن الأسماء مشتقة في اللغة وهذا لو صح لما كان لهم فيه حجة إذ لا سبب في الاشتقاق يتوصل به إلى إثبات العلل في الأحكام فكيف وهو باطل الاشتقاق الصحيح إنما هو اختراع اسم لشيء ما مأخوذ من صفة فيه كتسمية الأبيض من البياض والمصلي من الصلاة والفاسق من الفسق وما أشبه ذلك وليس في ذلك من هذا ما يوجب أن يسمى أبيض ما لا بياض فيه ولا مصليا من لا يصلي ولا فاسقا من لا فسق فيه فأي شيء في هذا مما يتوصل به إلى إيجاب القياس والقول بأن البر إنما حرم أن يباع البر متفاضلا لأنه مأكول أو لأنه مكيل أو لأنه مدخر وهل يتشكل هذا الحمق في عقل ذي عقل وبالله تعالى التوفيق وأما ما عدا هذا من الاشتقاق ففاسد البتة وهو كل اسم علم وكل اسم جنس أو نوع
أو صفة فإن الاشتقاق في كل ذلك مبطل ببرهان ضروري وهو أننا نقول لمن قال إنما سميت الخيل خيلا لأجل الخيلاء التي فيها وإنما سمي البازي بازيا لارتفاعه والقارورة قارورة لاستقرار الشيء فيها والخابية خابية لأنها تخبىء ما فيها إنه يلزمك في هذا وجهان ضروريان لا انفكاك لك منهما البتة أحدهما أن تسمي رأسك خابية لأن دماغك مخبوء فيها وأن تسمي الأرض خابية لأنها تخبىء كل ما فيها وأن تسمي أنفك بازيا لارتفاعه وأن تسمي السماء والسحاب بازيا لارتفاعهما وكذلك القصر والجبل وأن تسمي بطنك قارورة لأن مصيرك مستقر به وأن تسمي البئر قارورة لأن الماء