حجة العقل بأن قالوا قد يرى الإنسان يعتقد بشيء ويجادل عنه ولا يشك في أنه حق ثم يلوح له غير ذلك فلو كانت حجج العقول صادقة لما تغيرت أدلتها قال أبو محمد هذا تمويه فاسد ولا حجة لهم على مثبتي حجج العقول في رجوع من رجع عن مذهب كان يعتقده ويناضل عنه لأننا لم نقل إن كان معتقد لمذهب ما فهو محق فيه ولا قلنا إن كل ما استدل به مستدل ما على مذهبه فهو حق ولو قلنا ذلك لفارقنا حكم العقول لكن قلنا إن من الاستدلال ما يؤدي إلى مذهب صحيح إذا كان الاستدلال صحيحا مرتبا ترتيبا قويما على ما قد بيناه وأحكمناه غاية الإحكام في كتاب التقريب وقد يوقع الاستدلال إذا كان فاسدا على مذهب فاسد وذلك إذا خولف به طريق الاستدلال الصحيح وقد نبهنا على الشعاب والعوارض المعترضة في طريق الاستدلال وبيناها وحذرنا منها في الكتاب المذكور ولم ندع هنالك في تبيين كل ما ذكرناه علقة وأوضحناه غاية الإيضاح فالراجع عن مذهب إلى مذهب لا بد له ضرورة من أن يكون أحد استدلاليه فاسدا إما الأول وإما الثاني وقد يكونان معا فاسدين فيتنقل من مذهب فاسد إلى مذهبه فاسد أو من مذهب صحيح إلى مذهب فاسد أو من مذهب فاسد إلى مذهب صحيح لا بد من أحد هذه الوجوه ولا يجوز أن يكونا صحيحين معا البتة لأن الشيء لا يكون حقا بإطلاق في وقت واحد من وجه واحد وقد يكون أقساما
كثيرة كلها باطل إلا واحدا فينتقل المرء من قسم فاسد منها إلى آخر فاسد وهذا إنما يعرض لمن غبن عقله ولم ينعم النظر فمال بهوى أو تهور بشهوة أو أحجم لفرط جبنه أو لمن كان جاهلا بوجوه طرق الاستدلال الصحيحة لم يطالعها ولا تعلمها وأكثر ما يقع ذلك