ولو أنهم تدبروا العالم وتفكروا في طبائعه وأجناسه وأنواعه وفصوله وخواصه
وأعراضه لما نطقوا بهذا الهذيان فإن كانوا يريدون أن يسموا جري الطبائع على ما هي عليه قياسا فهذه لغة جديدة ولم يقصدوا بها وجه الله تعالى لكن قصدوا الشغب والتخليط كمن سمى الخنزير أيلا ليستحله والأيل خنزيرا ليحرمه وكل هذه حيل ضعيفة لا يتخلصون بها مما نشبوا فيه من الباطل وإنما تكلمهم عن المعنى لا على ما بدلوه برأيهم من الأسماء فإذ حققوا معنا المعنى الذي يرمون إثباته ونحن نبطله فحينئذ يكلف البرهان من ادعى أمرا منا ومنهم فمن أتى به ظفر ومن لم يأت به سقط وليسموه حينئذ بما شاؤوا ويكفي من سخف هذا الاحتجاج منهم أن يقال لكل ذي حس هل نسبة التين من البر كنسبة الجوزة من الجوزة وكنسبة الرمانة من الرمانة وكنسبة الإنسان من الإنسان فإن وجد في العالم أحمق يقول نعم لزمه إخراج البلوط والتين عن زكاة البر كيلا بكيل وهذا ما لا يقوله مسلم ولزمه أن يقول فيمن حلف لا يأكل برا فأكل تينا أن يحنث ولزمه أكثر من هذا كله وهو الكذب إن التين بر وإن قالوا لا تركوا قولهم في تشبيه القياس في الشرائع لمعرفتنا بأن ما في هذه الرمانة كهذه والذي لا نشك فيه فهذا الاحتجاج منهم مبطل لقولهم ومثبت لقولنا لأن الرمانة من الرمانة والجوزة من الجوزة والإنسان من الإنسان كالسمن من السمن والفأر من الفأر وكل نوع من نوعه والجوز مخالف للرمان كخلاف السنور من الفأر وخلاف الزيت للسمن وهذا هو الذي ينكره ذو عقل وأنه إذا حكم النبي صلى الله عليه وسلم بتحريم البر بالبر متفاضلا