إنما هو من اعتراضات من لا يقول بخبر الواحد من المعتزلة والخوارج وقد مضى الكلام في إيجاب خبر الواحد العدل وقد وجب قبوله بالبرهان فاعترض المعترض بأنه قد يدخله السهو وتعمد الكذب اعتراض بالظن وبعض الظن إثم والظن أكذب الحديث وقولهم إن القياس يدخله خوف خطأ التشبيه إقرار منهم بأنهم لا يثقون بجملته وهذا هو الحكم بالظن وهو محرم بنص القرآن ويسألون عن إنسان مشهور بالباطل معروف بادعائه قد كثر ذلك منه وفشا فتقدم إلى قاضي يخاصم عنده فإن الأمة كلها مجمعة عن ألا يقاس أمره الآن على ما عهد منه فإذا خرم أن يقاس حكم المرء اليوم على حكمه بنفس أمس فهو أبعد من أن تقاس على غيره وهذا هدم من القياس للقياس وتفاسد منه بعضه لبعض وما كان هكذا فهو فاسد كله وبالله تعالى التوفيق وقال قائل منهم هل يجوز أن يتعبدنا الله تعالى بالقياس قال أبو محمد فالجواب إن كان جائزا قبل نزول قول الله تعالى {قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا} وقوله تعالى {لا يكلف لله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما كتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينآ أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينآ إصرا كما حملته على لذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به وعف عنا وغفر لنا ورحمنآ أنت مولانا فنصرنا على لقوم لكافرين} وكان يكون ذلك لو كان حمل إصر كما حمله على الذين
من قبلنا وتحميلا لما لا طاقة لنا به وكما قال تعالى {في لدنيا ولآخرة ويسألونك عن ليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم ولله يعلم لمفسد من لمصلح ولو شآء لله لأعنتكم إن لله عزيز حكيم} وأما بعد نزول الآيتين اللتين ذكرنا وبعد أن أمننا الله تعالى من أن يكلفنا الحكم بالتكهن وبالظنون وبعد أن نهانا عن أن نقول عليه تعالى ما لم نعلم فلا يجوز البتة أن يتعبدنا بالقياس لأن وعد الله تعالى حق لا يخلف البتة وقوله الحق وبالله تعالى التوفيق