وأشد اتباعا لقوله {فاطر لسماوات ولأرض جعل لكم من أنفسكم أزواجا ومن لأنعام أزواجا يذرؤكم فيه ليس كمثله شيء وهو لسميع لبصير} وبالله تعالى التوفيق وأيضا فإنهم بهذه القضية الفاضحة قد أدخلوا ربهم تحت الحدود والقوانين وتحت رتب متى خالفها لزمه السفه تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا وهذا كفر مجرد دون تأويل ولزمهم إن طردوا هذا الأصل الفاسد أو يقولوا لما وجدنا الفعل منا لا يكون إلا جسما مركبا ذا ضمير وفكرة وجب أن يكون الفعال الأول جسما مركبا ذا ضمير وفكرة تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا قال أبو محمد فهذا يلزمهم كما ذكرنا ثم نبين بالبرهان الضروري بطلان قضيتهم من غير طريق إلزامهم طردها فنقول بالله تعالى التوفيق إن الحكيم منا إنما
صار حكيما لأنه انقاد لأوامر ربه تعالى ولتركه نواهيه فهذا هو السبب الموجب على الحكيم منا ألا يفعل شيئا إلا لمنفعة ينتفع بها في معاده أو لمضرة يستدفعها في معاده وأما الباري تعالى فلم يزل وحده ولا شيء معه ولا مرتب قبله فلم يكن على الله تعالى رتبة توجب أن يقع الفعل منه على صفة ما دون غيرها بل فعل ما فعل
كما شاء ولم يفعل ما لم يفعل كما لم يشأ فبطل تشبيههم أفعال الحكيم منا بأفعال الباري تعالى وأيضا فإنا لم نسم الله تعالى حكيما من طريق الاستدلال أصلا ولا لأن العقل أوجب أن يسمى تعالى حكيما وإنما سميناه حكيما لأنه سمى بذلك نفسه فقط وهو اسم علم له تعالى لا مشتق ويلزم من سمى ربه تعالى حتما من طريق الاستدلال أن يسميه عاقلا من طريق الاستدلال وقد بينا فساد هذه الطريقة وبطلانها وضلالها في كتاب الفصل فبطلت قضيتهم الفاسدة جملة وصح أنها دعوة فاسدة منتقضة وأما قولهم إنه تعالى يفعل الأشياء لمصالح عباده فإن الله تعالى أكذبهم