الثاني إيجاب في ذلك الشيء بعينه لا زيادة في أحد النصين على الآخر ولا بيان في أيهما الناسخ من المنسوخ كالنص الوارد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شرب قائما والنص الوارد أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن الشرب قائما فإن من ترك الخبرين معا ورجع إلى الأصل الذي كان يجب لو لم يرد ذلك الخبران أو رجع أحد
الخبرين على المعارض له بكثرة رواته أو بأنه رواه من هو أعدل ممن روى الآخر وأحفظ وما أشبه هذا من وجوه الترجيحات التي قد أوردناها في باب الكلام في
الأخبار من ديوننا هذا وبيان وجوه الصواب منها من الخطأ فإن هذا أيضا مكان يخفى بيان الخطأ فيه جدا وأما نحن فنقول بالأخذ الزائد شرعا إلا أننا نقول وبالله تعالى التوفيق إن من مال إلى أحد هذه الوجوه في مكان ثم تركه في مثل ذلك المكان وأخذ بالوجه الأخر مقلدا أو مستحسنا فما دام لم يوقف على تناقضه وتفاسد حكمه فمعذور مأجور حتى إذا وقف على ذلك فتمادى فهو فاسق عاص لله عز وجل لاتباعه الهوى قال الله تعالى {يداوود إنا جعلناك خليفة في لأرض فحكم بين لناس بلحق ولا تتبع لهوى فيضلك عن سبيل لله إن لذين يضلون عن سبيل لله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم لحساب} وكل من قال في الدين بقول لم يأت عليه ببرهان لكن بما وقع في نفسه الميل فإنه بيقين متبع لهواه والوجه الثالث أن يتعلق بحديث ضعيف لم يتبين له ضعفه أو بحديث مرسل أو ادعى تجريحا في راوي حديث صحيح إما بتدليس أو نحوه أو ادعى أن الناقل أخطأ فيه فمن اعتقد صحة ما ذكر من ذلك معذور مأجور حتى إذا ترك في مكان آخر مثل ذلك الحديث أو رد مرسلا آخر لإرساله فقط وأخذ بحديث آخر فيه من التعليل كالذي فيما قد رده في مكان آخر ووقف على ذلك فإن تمادى فهو فاسق وإن لم تقطع على أنه مخطىء عند الله عز وجل لكن لإقدامه على الحكم في الدين بما قد شهد لسانه ببطلانه في موضع آخر فهو متبع هواه فهو ضال بالنص كمن حكم شهادة فاسقين يعلم فسقهما فيما لا يدري هو صحة شهادتهما به أو رد شهادة عدلين يعلم عدالتهما بغير جرح