مالك ومن كان قبله ما تركوا من الأحاديث والآيات وعلى هذه الوجوه خالفهم نظراؤهم فأخذ هؤلاء ما ترك أولئك وأخذ أولئك ما ترك هؤلاء فهي وجوه عشرة كما ذكرنا أحدها ألا يبلغ العالم الخبر فيفتي فيه بنص آخر بلغه كما قال عمر في خبر الاستئذان خفي علي هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ألهاني الصفق بالأسواق وقد أوردناه بإسناده من طريق البخاري في غير هذا المكان وثانيها أن يقع في نفسه أن راوي الخبر لم يحفظ وأنه وهم كفعل عمر في خبر فاطمة بنت قيس وكفعل عائشة في خبر الميت يعذب ببكاء أهله وهذا ظن لا معنى له إن أطلق بطلت الأخبار كلها وإن خص به مكان دون مكان كانت تحكما بالباطل وثالثها أن يقع في نفسه أنه منسوخ كما ظن ابن عمر في آية نكاح الكتابيات ورابعها أن يغلب نصا على نص بأنه أحوط وهذا لا معنى له إذ لا يوجبه قرآن ولا سنة وخامسها أن يغلب نصا على نص لكثرة العاملين به أو لجلالتهم وهذا لا معنى له لما قد أفدناه قبلا في ترجيح الأخبار وسادسها أن يغلب نصا لم يصح على نص صحيح وهو لا يعلم بفساد الذي غلب وسابعها أن يخصص عموما بظنه
وثامنها أن يأخذ بعموم لم يجب الأخذ به ويترك الذي يثبت تخصيصه وتاسعها أن يتأول في الخبر غير ظاهره بغير برهان لعله ظنها بغير برهان وعاشرها أن يترك نصا صحيحا لقول صاحب بلغه فيظن أنه لم يترك ذلك النص إلا لعلم كان عنده فهذه ظنون توجب الاختلاف الذي سبق في علم الله عز وجل أنه سيكون ونسأل الله تعالى التثبيت على الحق بمنه آمين ثم كثرت الرحل إلى الآفاق وتداخل الناس والتقوا وانتدب أقوام لجمع حديث النبي صلى الله عليه وسلم وضمه وتقييده ووصل من البلاد البعيدة إلى من لم يكن عنده وقامت الحجة على من بلغه شيء منه وجمعت الأحاديث المبينة لصحة أحد التأويلات المتأول في الحديث وعرف الصحيح