قال علي وهذا محال ممتنع لأنه لو كانت اللغات على ما توجبه طبائع الأمكنة لما أمكن وجود كل مكان إلا بلغته التي يوجبها طبعه وهذا يرى بالعيان بطلانه لأن كل مكان في الأغلب قد دخلت فيه لغات شتى على قدر تداخل أهل اللغات ومجاورتهم فبطل ما قالوا وأيضا فليس في طبع المكان أن يوجب تسمية الماء ماء دون أن يسمى باسم آخر مركب من حروف الهجاء ومن كابر في هذا فإما مجاهر بالباطل وإما عديم عقل لا بد له من أحد هذين الوجهين فصح أنه توقيف من أمر الله عز وجل وتعليم منه تعالى إلا أننا لا ننكر اصطلاح الناس على إحداث لغات شتى بعد أن كانت لغة واحدة وقفوا عليها بها علموا ماهية الأشياء وكيفياتها وحدودها ولا ندري أي لغة هي التي وقف آدم عليه السلام عليها أولا إلا أننا نقطع على أنها أتم اللغات كلها وأبينها عبارة وأقلها إشكالا وأشدها اختصارا وأكثرها وقوع أسماء مختلفة على المسميات كلها المختلفة من كل ما في العالم من جوهر أو عرض لقول الله عز وجل {وعلم آدم الأسمآء كلها ثم عرضهم
على الملائكة فقال أنبئوني بأسمآء هؤلاء إن كنتم صادقين} فهذا التأكيد يرفع الإشكال ويقطع الشغب فيما قلنا
وقد قال قوم هي السريانية وقال قوم هي اليونانية وقال قوم هي العبرانية وقال قوم هي العربية والله أعلم إلا أن الذي وقفنا عليه وعلمناه يقينا أن السريانية والعبرانية والعربية هي لغة مضر وربيعة لا لغة حمير لغة واحدة تبدلت بتبدل مساكن أهلها فحدث فيها جرش كالذي يحدث من الأندلسي وإذا رام نغمة أهل القيروان ومن القيرواني إذا رام نغمة الأندلسي ومن الخراساني إذا رام نغمتها ونحن نجد من سمع لغة أهل فحص البلوط وهي على ليلة واحدة من قرطبة كاد أن يقول إنها لغة أخرى غير لغة أهل قرطبة وهكذا في كثير من البلاد فإنه بمجاورة أهل البلدة بأمة أخرى تتبدل لغتها تبديلا لا يخفى على من تأمله