لأن ديون الناس التي راموا تشبيه الزكوات بها هي لأقوام بأعيانهم فحكمهم جائز فيها لأنها مال متعين لهم وموروث عنهم وأما الزكوات والكفارات فليست لقوم من المساكين بأعيانهم ولا هؤلاء المساكين بأولى بها من غيرهم من المساكين فما كان هكذا فلا إذن لمن حضر من المساكين فيها لا بتعجيل ولا بتأجيل ولا يستحقونها إلا بقبضها في أوقاتها لا قبل ذلك ولا بعده وبيان ذلك أنها لا تورث عنهم قبل قبضهم لها ولا يجوز حكمهم فيها ولا تصرفهم ولا إبراؤهم قبل
قبضها وكل هذا لا خلاف فيه وإنما شبه رسول الله صلى الله عليه وسلم ديون الناس بديون الله تعالى في شيئين لا ثالث لهما أحدها بقاء حكمها بعد الموت وبعد العجز والثاني أداء الولي لها عن الميت فعصوا الله تعالى أو من عصاه منهم ورسوله صلى الله عليه وسلم في الوجهين اللذين شبه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها ديون الناس بديون الله تعالى وتركوهما معا فقالوا من مات وعليه حج أو زكاة أو صيام أو كفارات فقد سقط
وجوبها فيما ترك ولا يقضى عنه إلا أن يأمر بذلك فيقضى عنه الزكاة والحج خاصة من الثلث ويطعم عنه إن أوصى بذلك في الصيام فقط ثم شبهوا ديون الله بديون الناس فيما لا شبه فيه بينهما وفيما لم يأذن به الله عز وجل ومن شغب منهم بالحديث الذي روي من جمع زكاة الفطر في المسجد ومبيت أبي هريرة عليها فلا حجة لهم فيه لأنه لا يخلو ذلك الجمع المذكور من أحد وجهين لا ثالث لهما أحدهما أن تكون جمعت ولم تفرق حتى يأتي يوم الفطر الذي هو وقت أدائها وليس هذا مخالفا لقولنا ولو جاء وقت أدائها لما حل لمسلم أن يظن بالنبي صلى الله عليه وسلم أنه أخر إعطاءها وهو عليه السلام إذ بقي عنده دينار لم يستحقه عليه أحد لم يأو إلى نسائه ولا فارق المسجد ليلا ولا نهارا قلقا آسفا حتى يعطيه