وأما كل ما قام فيه برهان عقلي أو شرعي فلا نبالي من وافقنا فيه ولا من خالفنا وقد قامت البراهين على جواز استثناء الأكثر من جملة لا يبقى منها بعد ذلك إلا الأقل قال الله عز وجل {قم لليل إلا قليلا * نصفه أو نقص منه قليلا * أو زد عليه ورتل لقرآن ترتيلا} فأبدل تعالى النصف من القليل وهو بدل البيان ولم يختلف قط أحد أنه لم يفرض عليه قيام الليل كله وإنما فرض عليه القيام في الليل وهذا البدل يحل محل المبدل منه فالمفهوم أنه قال تعالى قم الليل إلا نصفه ثم زادنا الله تعالى فائدة عظيمة وهي أن النصف قليل بالإضافة إلى الكل قال علي فإن قال قائل كيف تحتجون بهذا وأنتم تقولون إن قيام أكثر من ثلث الليل لا يجوز لقول النبي صلى الله عليه وسلم إنه لا قيام فوق داود وكان يقوم ثلث الليل بعد أن ينام نصفه ثم ينام سدسه قيل له وبالله تعالى التوفيق معنى قوله تعالى {نصفه أو نقص منه قليلا * أو زد عليه ورتل لقرآن ترتيلا} إنما هو والله أعلم إعلام بوقت القيام لا بمقدار القيام ليتفق معنى الآية والحديث فكل من عند الله تعالى وما كان من عنده تعالى فلا اختلاف فيه
قال الله عز وجل {أفلا يتدبرون لقرآن ولو كان من عند غير لله لوجدوا فيه ختلافا كثيرا} فصح أن معنى قوله تعالى {قم لليل إلا قليلا} قم في الليل إلا في قليل في نصفه وهكذا قوله تعالى {إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي لليل ونصفه وثلثه وطآئفة من لذين معك ولله يقدر لليل ولنهار علم ألن تحصوه فتاب عليكم فقرءوا ما تيسر من لقرآن علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في لأرض يبتغون من فضل لله وآخرون يقاتلون في سبيل لله فقرءوا ما تيسر منه وأقيموا لصلاة وآتوا لزكاة وأقرضوا لله قرضا حسنا وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند لله هو خيرا وأعظم أجرا وستغفروا لله إن لله غفور رحيم} إنما معناه في أدنى وقوله تعالى {كانوا قليلا من لليل ما يهجعون} مع نهيه على لسان نبيه عن قيام أكثر من ثلث الليل بيان أن الثلثين قبل الإضافة إلى الكل لأنهم كانوا يهجعون قليلا وهو الثلثان ويخرج أيضا على أن ما ههنا جحد محقق فيكون معناه كانوا ما يهجعون قليلا من الليل وهو الثلث فأقل فيكون هذا أيضا حسنا موافقا لما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في قيام الثلث وكلا القولين متفق لأنه إذا هجع الثلثين وقام الثلث فإن الثلثين قليل بالإضافة إلى الكل والثلث أيضا كذلك وبالله تعالى التوفيق