من اتباع الشيطان الذي ذكر كل ذلك في الآية وبالله تعالى التوفيق قال علي وحتى لو لم يجز في الاستثناء إلا رده إلى أقرب مذكور لما كان في ذلك ما يوجب ألا نقبل شهادة القاذف إذا تاب لأن الفسق مرتفع عنه بالتوبة بنص الآية بإجماع الأمة وإذا ارتفع الفسق ثبتت العدالة ضرورة لأنه ليس في العالم من المخاطبين إلا فاسق أو عدل وإذا ثبتت العدالة وجب قبول الشهادة لقوله تعالى {جزآؤهم عند ربهم جنات عدن تجرى من تحتها لأنهار خالدين فيهآ أبدا رضى لله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه} فحرام علينا ألا نرضى عمن رضي الله عنه وإذا كان حراما علينا ففرضنا الرضا عنه وإذا كان الرضا عنه فرضا ففرض علينا قبول شهادته لأنه ممن نرضى من الشهداء بنص القرآن في إيجاب شهادة {يأيها لذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فكتبوه وليكتب بينكم كاتب بلعدل ولا يأب كاتب أن يكتب كما
علمه لله فليكتب وليملل لذي عليه لحق وليتق لله ربه ولا يبخس منه شيئا فإن كان لذي عليه لحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بلعدل وستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل ومرأتان ممن ترضون من لشهدآء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما لأخرى ولا يأب لشهدآء إذا ما دعوا ولا تسأموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى أجله ذلكم أقسط عند لله وأقوم للشهادة وأدنى ألا ترتابوا إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم فليس عليكم جناح ألا تكتبوها وأشهدوا إذا تبايعتم ولا يضآر كاتب ولا شهيد وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم وتقوا لله ويعلمكم لله ولله بكل شيء عليم} فقد صح أن سقوط الفسق عنه موجب لقبول شهادته والعجب من أصحاب أبي حنيفة في تركهم ظاهر الآية وميلهم إلى رأيهم الفاسد فإن نص الآية إنما يوجب ألا تقبل شهادته بنص القذف وليس في ذلك أن شهادته لا تسقط إلا بعد أن يحد وقالوا هم إن شهادته لا تسقط إلا أن يحد فزادوا في رأيهم ما ليس في القرآن وخالفوا الآية في كل حال فقبلوا شهادته أفسق ما كان قبل أن يحد وردوها بعد أن ظهر الحد وقد أخبر عليه السلام في كثير من الحدود أن إقامتها كفارة
لفاعليها وهم أهل القياس بزعمهم فهلا قاسوا المحدود في القذف على المحدود في السرقة والزنى وقد شاركهم المالكيون في بعض ذلك فردوا شهادة المحدود فيما حد فيه وأجازوها فيما لم يحد فيه وهذا كله افتراء على الله لم يأذن به وحكم في الدين بغير نص وبالله تعالى التوفيق قال علي وكذلك قوله عز وجل {ولذين لا يدعون مع لله إلها آخر ولا يقتلون لنفس لتي حرم لله إلا بلحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما * يضاعف له لعذاب يوم لقيامة ويخلد فيه مهانا * إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل لله سيئاتهم حسنات وكان لله غفورا رحيما} إلى قوله تعالى فإن الاستثناء الذي في آخرها راجع بإجماع إلى كل ما تقدم