ومعرفة وكراهية لما رجع عن الاستفهام عنه لعرض حدث أو لعلم بشيء كان يجهل وأما الرجوع عن الرغبة فإنما يسمى استقالة أو تنزها عما انحط إليه قبل ذلك وقد قدمنا أن المعاني إذا اختلفت فواجب أن يخالف بين أسمائها لئلا يقع الإشكال وليلوح البيان ويصح الفهم والإفهام فبقي الرجوع عن الأمر بإحداث أمر غيره فيسمى نسخا وهو فعل من علم أن سيرفع أمره ويحيله فإذا ورد الكلام لفظه لفظ الخبر ومعناه معنى الأمر جاز النسخ فيه مثل قوله تعالى {ولذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى لحول غير إخراج فإن خرجن فلا جناح عليكم في ما فعلن في أنفسهن من معروف ولله عزيز حكيم} وفي هذا توجد منا المعصية مثل قوله تعالى {فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا ولله على لناس حج لبيت من ستطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن لله غني عن لعالمين} فإنما هذا أمر لنا بأن نؤمن كل من دخل مقام إبراهيم وليس هذا خبرا ولو كان خبرا لكان كذبا لأنه قد قتل الناس حوله ظلما وعدوانا قال أبو محمد وموجود في كل لغة أن يرد الأمر بلفظ الخبر وبلفظ الاستفهام كقول القائل لعبده أتفعل أمر كذا أو ترى ما يحل بك وإنما ذلك أن الخبر عن الشيء إيجاب لما يخبر به عنه والأمر إيجاب لفعل المأمور به فهذا اشتراك بين صيغة الخبر وصيغة الأمر فإذا قال قائل حق عليك القيام إلى زيد فهذا
خبر صحيح البنية معناه قم إلى زيد وكذلك قوله تعالى {فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا ولله على لناس حج لبيت من ستطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن لله غني عن لعالمين} معناه ليحج الناس منكم من استطاع وكذلك إذا قال القائل قد
أوجبت عليك القيام إلى زيد فهذا خبر صحيح البنية معناه قم إلى زيد وكذلك قوله تعالى {يأيها لذين آمنوا كتب عليكم لصيام كما كتب على لذين من قبلكم لعلكم تتقون} معناه صوموا فما كان من الأخبار هكذا فالنسخ فيها جائز وأما ما كان خبرا مجردا مثل قام زيد وهذا عمرو ووقع أمس خطب كذا وزيد الآن قائم وغدا يكون أمر كذا فهو لا يجوز النسخ فيه البتة لأنه تكذيب لهذا الخبر والله تعالى منزه عن الكذب