ولا سبيل إلى قسم رابع فإن قالوا نسخ ما قد فعل أحالوا ولا سبيل إلى نسخ ما قد فعل لأنه قد فعل وفني فلا سبيل إلى رده وإن قالوا نسخ ما لم يفعل فقد أثبتوا نسخ الشيء قبل فعله وهذا هو نفس ما
أبطلوا لأن الذي لم يفعل هو غير الذي فعل ضرورة
فإن قالوا نسخ الأمر فلا فرق بين نسخ الأمر قبل أن يفعل الناس ما أوجب ذلك الأمر وبين نسخه بعد أن يفعل الناس ما أوجب ذلك الأمر والفعل المأمور به على كل حال غير الأمر به فلا يتعلق الأمر بالفعل لأنه غيره لأن الأمر هو فعل الله مجردا والفعل هو فعلنا نحن فبينهما فرق كما ترى قال أبو محمد وهذه حجة ضرورة لا محيد عنها واحتج أيضا بأن قال إن الأمر إذا ورد ففعله فاعلون ثم نسخ فلا خلاف في جواز ذلك ولا شك في أنه قد بقي خلق كثير لم يعملوا به ممن لم يأت بعد وقد كانوا مخاطبين بذلك الأمر حين نزوله فقد نسخ قبل أن يعمل به الذين لم يعملوا به ولا فرق بين أن يجوز نسخه قبل أن يعمل به بعض المأمور وبين نسخه قبل أن يعمل به أحد منهم قال أبو محمد وهذه أيضا حجة ضرورية لا محيد عنها قال أبو محمد وسألني سائل فقال لو أمر الله تعالى بأمر فقال اعملوا بهذا الأمر ثمانية متصلة أو قال أبدا أيجوز نسخ هذا أم لا فقلت إن النسخ جائز في هذه لأنه من باب نسخ الشيء قبل أن يعمل به ولا فرق بين أن يأمرنا بخمسين صلاة نصليها وبين أن يأمرنا بعمل ما أبدا أو ثمانية أيام ثم ينسخه عنا قبل أن يتم عمل ذلك وليس الكذب في الأمر والنهي مدخل وإنما يدخل الكذب في الأخبار فلو أن الأمر خرج بهذا التحديد بلفظ الخبر لم يجز نسخه لأنه كان يكون كذبا مجردا إذ في الأخبار يقع الكذب وهذا بخلاف الأمر إذا خرج بلفظ الخبر غير مرتبط بتحديد وقت فالنسخ