جبريل بالوحي لا معقب لحكمه فجائز نسخ أمره صلى الله عليه وسلم بفعله وفعله بأمره وجائز نسخ القرآن بكل ذلك وجائز نسخ كل ذلك بالقرآن وكل ذلك سواء ولا فرق وكذلك الشيء يراه رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقره ولا ينكره وقد كان تقدم عنه تحريم جلي فإن ذلك نسخ لتحريمه لأنه مفترض عليه التبليغ وإنكار المنكر وإقرار المعروف وبيان اللوازم وهو معصوم من الناس ومن خلاف ما أمره به ربه تعالى فلما صح كل ما ذكرنا أيقنا أنه إذا علم شيئا كان قد حرمه ثم علمه ولم يغيره أن التحريم قد نسخ وأن ذلك قد عاد حقا مباحا ومعروفا غير منكر وأما إن كان قد تقدم في ذلك الشيء نهي فقط ثم رآه صلى الله عليه وسلم أو علمه فأقره فإنما ذلك بين أن ذلك النهي على سبيل الكرامة فقط لأنه لا يحل لأحد أن يقول في شيء من الأوامر إن هذا منسوخ إلا ببرهان جلي إذ كلها على وجوب الطاعة لها وما تيقنا وجوب طاعتنا له فحرام علينا مخالفته لقول قائل هذا منسوخ ولو جاز قبول ذلك ممن ادعاه بلا برهان لسقطت الشرائع كلها لأنه ليس قول زيد وعمر ومالك والشافعي وأبي حنيفة هذا منسوخ بأولى من قول كل من على ظهر الأرض فيما يستعمله من ذكرنا هذا أيضا منسوخ وقد قال تعالى {وقالوا لن يدخل لجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك
أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين} ومن قال في
شيء من أوامر الله تعالى أو أوامر رسوله صلى الله عليه وسلم هذا منسوخ أو هذا متروك أو هذا مخصوص أو هذا ليس عليه العمل فقد قال دعوا ما أمركم به ربكم أو نبيكم ولا تعملوا به وخذوا قولي وأطيعوني في خلاف ما أمرتم به قال أبو محمد فحق من قال ذلك أن يعصى ولا يلتفت إلى كلامه إلا أن يأتي ببرهان من نص أو إجماع كما قدمنا في فصل كيفية معرفة المنسوخ من المحكم