فصاروا من السند وكابل إلى مغارب الأندلس وسواحل بلاد البربر ومن سواحل اليمن إلى ثغور أرمينية فما بين ذلك من البلاد البعيدة واجتماع هؤلاء ممتنع غير ممكن أصلا لكثرتهم وتنائي أقطارهم فإن قال ليس اجتماعهم ممكنا قلنا صدقت وأخبرنا الآن كيف الأمر إذا قال بعضهم قولا لا نص فيه أتقطع على أنه حق وأنت لا تدري أيجمع عليه سائرهم أم لا أم تقف فيه فإن قال أقطع بأنه حق قلنا حكمت بالغيب وبما لا تدري وحكمت بالباطل بلا شك فإن قال بل أقف فيه حتى يجمع عليه سائرهم قلنا فإنما يصح إذ قال به آخر قائل منهم فلا بد من نعم فيقال لهم فلو خالفهم فعلى قولك لا يكون حقا فمن قوله نعم فيقال له فكيف يكون حقا ما يمكن أمس أن يكون باطلا وهذا حكم على الله تعالى وليس هذا حكم الله وكفى بهذا بيانا وأيضا فإن اليقين قد صح بأن الناس مختلفون في هممهم واختيارهم وآرائهم وطبائعهم الداعية إلى اختيار ما يختارونه وينفرون عما سواه متباينون في ذلك تباينا شديدا متفاوتا جدا فمنهم رقيق القلب يميل إلى الرفق بالناس ومنهم قاسي القلب شديد يميل إلى التشديد على الناس ومنهم قوي على العمل مجد إلى العزم والصبر والتفرد ومنهم ضعيف الطاقة يميل إلى التخفيف ومنهم جانح إلى لين العيش يميل إلى الترفيه ومنهم مائل إلى الخشونة مجنح إلى الشدة ومنهم معتدل في كل ذلك إلى التوسط ومنهم شديد الغضب يميل إلى شدة الإنكار ومنهم حليم يميل إلى الإغضاء ومن المحال اتفاق هؤلاء كلهم على إيجاب حكم برأيهم أصلا
لاختلاف دعاويهم ومذاهبهم فيما ذكرنا وإنما يجمع ذو الطبائع المختلفة على ما استووا فيه من الإدراك بحواسهم وعلموه
ببدائة عقولهم فقط وليست أحكام الشريعة من هذين القسمين فبطل أن يصح فيها إجماع على غير توقيف وهذا برهان