كانا أعظم حرمة من زيد بن حارثة وبلال بعد إسلامهما وقبل عتقهما ومعاذ الله من هذا وإنما يجب استعمال قوله عز وجل {أعنده علم لغيب فهو يرى} في ألا يساوى بينهما في القود أصلا وأما في الحقوق الواجبة فيما دون الأجسام والكرامة والحرمة فليس التساوي فيها تساويا في القدر لأنه لا خلاف بين أحد من أن أحكام الأموال يستوي فيها أبو بكر والصحابة وأهل الذمة وبالله تعالى التوفيق فكان الواجب ألا يكلف الذمي غرما بعد الجزية إلا ما أوجبه نص أو إجماع وقد أوجب الإجماع المذكور عليه إما ثمانمائة درهم وإما ستة أبعرة وثلثي بعير ووقع التنازع في الزيادة فلما لم يأت بشيء من ذلك نص صحيح وجب أن يطرح ولا يلتفت إليه فإن قالوا بتقليد صاحب في ذلك قيل لهم ليس الصاحب الذي قلدتم بأولى من صاحب آخر خالفه في ذلك مع أن التقليد كله باطل على ما سنبينه في بابه من ديواننا هذا إن شاء الله تعالى فإن قال قائل أنتم متناقضون في قولكم بأقل ما قيل في المقادير اللازمة في الأموال والحدود وفي الأعداد كلها وترككم الزيادة إلا أن يوجبها نص مع قولكم إن من اتفق عليه من زمان ما ثم ادعى قوم ارتفاعه فإن الواجب التمادي عليه والثبات على ما قد
اتفق على وجوبه حتى يأتي مدعي ارتفاعه ببرهان على ما ادعى من ذلك فهلا قلتم إنه لا يلزم هذا الحكم إلا مدة الزمان الذي اتفق على لزومه فيها دون الأزمان والأعيان التي اختلف في لزوم ذلك فيها ولها كما قلتم لا نأخذ في المقادير اللازمة في الأموال والحدود والأعداد إلا بما اتفق عليه دون ما اختلف فيه قال أبو محمد فيقال له وبالله تعالى التوفيق إن هذا شغب ضعيف وتمويه فاسد ولا تناقض بين القولين أصلا بل هما شيء واحد وباب واحد لأن الإجماع على وجوب الحكم وورود النص كالإجماع على أقل المقادير والأعداد