قال أبو محمد وهذا لا حجة لهم فيه لأن الذي أمرنا أن نقتدي بهم فيه هو ما اتفقت فيه شريعتنا وشريعتهم مثل قوله تعالى {وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا لله وبلوالدين إحسانا وذي لقربى واليتامى ولمساكين وقولوا للناس حسنا وأقيموا لصلاة وآتوا لزكاة ثم توليتم إلا قليلا منكم وأنتم معرضون} فأما باقي الآية في قوله تعالى {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبلوالدين إحسانا إما يبلغن عندك لكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهمآ أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما} فلم نأخذه من هذه الآية لكن من أمر الله تعالى لنا بذلك في آية أخرى ومثل قوله عز وجل {شرع لكم من لدين ما
وصى به نوحا ولذي أوحينآ إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا لدين ولا تتفرقوا فيه كبر على لمشركين ما تدعوهم إليه لله يجتبي إليه من يشآء ويهدي إليه من ينيب} فنص تعالى على أنهم كلهم أمروا ألا يتفرقوا في الدين وهذا هو نفس إخباره عليه السلام أن دين الأنبياء عليهم السلام واحد وقد نص الله تعالى على أنه أمر بعضهم بترك العمل في السبت ولم يأمرنا نحن بذلك وأحل الخمر مدة وحرمها بعد ذلك فصح يقينا أن الذي نهوا عن التفرق فيه وأن الذي شرع لجميعهم من الدين الواحد إنما هو التوحيد وأن الذي فرق فيه بينهم هي الشرائع والأعمال الواجبات والمحرمات وهذا هو نفس قولنا
وقد قال تعالى {وإن كان كبر عليك إعراضهم فإن ستطعت أن تبتغي نفقا في لأرض أو سلما في لسمآء فتأتيهم بآية ولو شآء لله لجمعهم على لهدى فلا تكونن من لجاهلين} وقال {وأنزلنآ إليك لكتاب بلحق مصدقا لما بين يديه من لكتاب ومهيمنا عليه فحكم بينهم بمآ أنزل لله ولا تتبع أهوآءهم عما جآءك من لحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شآء لله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في مآ آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون} قال تعالى {ولكل وجهة هو موليها فستبقوا لخيرات أين ما تكونوا يأت بكم لله جميعا إن لله على كل شيء قدير} فصح بالنص أنه تعالى فرق بين الشرائع وبين منهاج كل واحد منهم وبين وجهة كل واحد منهم وقد قال تعالى {يريد لله ليبين لكم ويهديكم سنن لذين من قبلكم ويتوب عليكم ولله عليم حكيم} فصح أن الله تعالى لا يتناقض كلامه وصح أن الذي أمرنا أن نتبع فيه سننهم هو غير الشرائع التي فرق بيننا وبينهم فيها فصح أنه التوحيد الذي سوى فيه بينهم كلهم في التزامه فصح أنه هو الهدى الذي أمر صلى الله عليه وسلم بأن يقتدي بهم ويبين ذلك أيضا قوله تعالى حاكيا عن رسوله يوسف عليه السلام أنه قال {واتبعت ملة آبآئي إبراهيم وإسحاق ويعقوب ما كان لنآ أن نشرك بالله من شيء ذلك من فضل لله علينا وعلى لناس ولكن أكثر لناس لا يشكرون}