للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا يظن القائلون بإبطال الاستحسان الهاربون إلى القول بترجيح العلل وتغليب كثرة الأشباه أنهم يتخلصون من هذا الإلزام بما فزعوا إليه لأنهم على كل حال قد أبطلوا العلة المرجح عليها الأخرى وأبطلوا حكم الأشباه القليلة ولم يوجبوا بها حكما ولا صححوا بها قياسا بل حكموا بأن العلل يبطل بعضها بعضا وأن بعض الأشباه لا يحكم به ولا من أجله يحكم به ولا من أجله بحكم واحد ولا يوجب الاشتباه اتفاقا في الحكم بالتشابه وبالعلل وبطل بذلك القول بالقياس جملة لأن كل طريق من الجدال أبطل بعضه بعضا وكذب بعضه بعضا وتناقض وتفاسد فهو كله فاسد باطل والحق لا يعارض الحق أبدا ولا يقوم دليل على صحة ضدين في معنى واحد أبدا وقد اعترف مالك رحمه الله بالحق في هذا وبرىء ممن قلده كما حدثنا رجل من أصحابنا اسمه عبد الرحمن بن سلمة قال ثنا أحمد بن خليل ثنا خالد بن سعد ثنا عبد الله بن يونس المرادي من كتابه نا بقي بن مخلد نا سحنون والحارث بن مسكين عن ابن القاسم عن مالك أنه كان يكثر أن يقول إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين قال أبو محمد ونحن نقول لمن قال بالاستحسان ما الفرق بين ما استحسنت أنت واستقبحه غيرك وبين ما استحسنه غيرك

واستقبحته أنت وما الذي جعل أحد السبيلين أولى بالحق من الآخر وهذا ما لا انفكاك منه وبالله تعالى التوفيق

وأما الاستنباط فإن أهل القياس ربما سموا قياسهم استنباطا وهو مأخوذ من أنبطت الماء وهو إخراجه من الأرض والتراب والأحجار وهو غيرها فالاستنباط هو استخراج الحكم من لفظ هو خلاف لذلك الحكم وهذا باطل ومن العجب أنه احتجوا في ثباته بقول الله عز وجل {وإذا جآءهم أمر من لأمن أو لخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى لرسول وإلى أولي لأمر منهم لعلمه لذين يستنبطونه منهم ولولا فضل لله عليكم ورحمته لاتبعتم لشيطان إلا قليلا} وهذا من عظيم مجاهرتهم الدالة على رقة دين من احتج بهذا في إثبات الاستنباط غشا لمن

<<  <  ج: ص:  >  >>