كتاب الله من كان منكم قائما فليقم بكتاب الله وإلا فليجلس فهذا قول عمر لأفضل قرن على ظهر الأرض فكيف لو أدرك ما نحن فيه من ترك القرآن وكلام محمد صلى الله عليه وسلم والإقبال على ما قال مالك وأبو حنيفة والشافعي وحسبنا الله ونعم الوكيل وإنا لله وإنا إليه راجعون
واحتج بعضهم في ذلك بقبول قول المقومين لأثمان المتلفات والشهادة على أمثالها وهذا من باب الشهادة والخبر لا من باب التقليد لأن الله عز وجل قد أمرنا بالانتصاف من المعتدي بمثل ما اعتدى فيه فلم نأخذ عن الشاهد بأن هذا الشيء مماثل لقيمة كذا شريعة حرمها الله ولا أوجبها ولكنا علمناه عالما بتلك السلعة أو تلك الجرحة فقبلنا شهادته في ذلك على الظالم وليس هذا من باب قال مالك وأبو حنيفة هذا حرام وهذا واجب وهذا مباح فيما لا نص فيه ولا إجماع وقد أمرنا بالشهادة على الحقوق وبقبولها وبالحكم بها وكل ما أمرنا به فليس تقليدا فينبغي لمن اتقى الله عز وجل ألا يلبس على المؤمنين فليس في كتمان العلم وتحريف الكلم عن مواضعه أشد ولا أضر من أن يضل المرء جليسه الذي أحسن الظن به وقعد إليه ليعلمه دين الله عز وجل يسمي له باسم التقليد المحرم شريعة حق ثم يدس له معها التقليد المحرم فيكون كمن دس السم في العسل والبنج في الكعك فيتحمل إثمه وإثم من اتبعه إلى يوم القيامة وقد قال بعض أهل الجهل لو كلفنا النظر لضاعت أمورنا قال أبو محمد وهذا كلام فاسد من وجوه أحدها أنه يقال له بل لو كلفنا التقليد لضاعت أمورنا لأننا لم نكن ندري من نقلد من الفقهاء المفتين وهم دون الصحابة أزيد من مائتي رجل معروفة أسماؤهم وفي الحقيقة لا يدري عددهم إلا الله تعالى إذ بالضرورة ندري أنه قد كان في كل قرية كبيرة للمسلمين مفت وفي كل مدينة من مدائنهم عدة من المفتين والمسلمون قد ملؤوا الأرض من السند إلى آخر الأندلس وسواحل البربر ومن سواحل اليمن إلى ثغور أذربيجان وإرمينية فما بين ذلك والحمد لله رب العالمين