للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فَائِدَة أُخْرَى

وَمن النَّاس من يُنكر التصنيف فِي هَذَا الزَّمَان مُطلقًا وَلَا وَجه لانكاره من أَهله وَإِنَّمَا يحملهُ عَلَيْهِ التنافس والحسد الْجَارِي بَين أهل الاعصار وَللَّه در الْقَائِل فِي نظمه نظم ... قل لمن لَا يرى المعاصر شَيْئا ... وَيرى للأوائل التقديما ... إِن ذَاك الْقَدِيم كَانَ حَدِيثا ... وسيبقى هَذَا الحَدِيث قَدِيما

كَيفَ ونتائج الأفكار لَا تقف عِنْد حد وتصرفات الأنظار لَا تَنْتَهِي إِلَى غَايَة بل لكل عَالم ومتعلم مِنْهَا حَظّ يحرزه فِي وقته الْمُقدر لَهُ وَلَيْسَ لأحد أَن يزاحمه فِيهِ لِأَن الْعَالم الْمَعْنَوِيّ وَاسع كالبحر الزاخر والفيض الإلهي لَيْسَ لَهُ إنقطاع وَلَا آخر والعلوم منح إلهية ومواهب صمدانية فَغير مستبعد أَن يدّخر لبَعض الْمُتَأَخِّرين مَا لم يدّخر لكثير من الْمُتَقَدِّمين قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثل أمتِي مثل الْمَطَر لَا يدْرِي أَوله خير أم آخِره رَوَاهُ الْبَغَوِيّ فِي المصابيح عَن أنس وَقَالَ أمتِي أمة مباركة لَا يدْرِي أَولهَا خير أَو آخرهَا وَقَالَ ابْن عبد ربه فِي العقد إِنِّي رَأَيْت آخر طبقَة واضعب كل حِكْمَة ومؤلفي كل أدب أهذب لفظا وأسهل لُغَة وَأحكم مَذَاهِب وأوضح طَريقَة من الأول لِأَنَّهُ نَاقص متعقب وَالْأول باديء مُتَقَدم انتهي قَالَ الشَّاعِر

... وَإِنِّي وَإِن كنت الْأَخير زمانة ... لآت بِمَا لم تستطعه الْأَوَائِل ...

وَلَا غرو فِي هَذَا فَرب حَدِيث تقدم على قديم وَسبق وَإِن تَأَخّر فالرجال معادن وَلكُل زمَان محَاسِن والخواطر موارد لَا تنزح والأفكار مصابيح لَا تطفىء والأفهام مرايا لَا تتناهي صورها والعقول سحائب لَا ينفذ مطرها والمعالي غير متناهية والفضائل غير متوارية وَأم اللَّيَالِي ولود وَالْفضل فِي كل حِين مشهود وَإِن الْفضل بيد الله يؤتيه من يَشَاء

<<  <   >  >>