وجاء في سفر العدد ٢٣/ ١٩: أن بلعام -وهو رجل صالح يوحى إليه- قال لرؤساء مواب: ليس الله إنسانا فيكذب، ولا ابن إنسان فيندم. هل يقول ولا يفعل، أو يتكلم ولا يفي؟ فهذا التناقض والاختلاف الكثير يدل على أن الأسفار التي بين أيديهم محرفة مبدلة؛ دس فيها ما دس، ونزع منها ما نزع، وشوه منها ما شوه. ويظهر من استقراء تاريخ اليهود أن فهم أكثرهم للذات العلية لم يكن في أكثر العصور مطابقا للتوحيد والتنزيه. وكأن نفوسهم لا تطمئن إلى عبادة إله لا يرونه. هذا، وقد حاول بعض اليهود أن يحمل تلك النصوص وأمثالها على المجاز. قال ابن كمونة في تنقيح الأبحاث ص٣٤ - ٣٥: "وأما استنشاق قتار القرابين، فهو كناية عن تقبلها، كما يقال: سمع الله دعاءه: بمعنى تقبله. ومن يفعل ما يفعله النادم يسمى نادما بالمجاز. وقد نطقت التوراة وكتب الأنبياء بأن الله لا يصح عليه الندم. فلا بد من حمل الندم المنسوب إليه على التأويل بما قلناه؛ وذلك أنه لما أهلك الخلائق بالطوفان، أخبر قبل ذلك أنه يهلكهم، وعبر عن ذلك بأنه ندم على خلقهم تمثيلا بمن يندم على شيء فعله ... ثم قال: وعلى مثل هذا تأويل كل ما ورد من ذلك وما يناسبه في كتب سائر الأنبياء الذين على ملة موسى، وفي كتب الأحبار والعلماء". اهـ. قلت: وما أقبح هذا المجاز، فإن نسبة الندم إلى الله سبحانه نقيصة يتنزه عنها، سواء كانت حقيقة أو مجازا. وكذلك النسيان والبداء وغير ذلك. ومهما حاول المدافعون من اليهود التستر عن هذه العورات والتشبث بالمجاز وغيره، فلن يغنيهم ذلك من الحق شيئا؛ لأن المجاز =