والواقع أن قول اليهود وقول النصارى يدلان على اضطرابهم في الذات الإلهية، وعدم معرفة ما يليق بها وما لا يليق بعد أن ضاعت منهم النصوص الصحيحة أو حرفت. فاليهود وقعوا في التجسيم، ووصفوا الله سبحانه بكثير من صفات الإنسان الذي يعتريه ضعف ونقص؛ لضعف عقولهم كما ذكرت التوراة. والنصارى سلبوا منه الوحدانية، فجعلوه ثلاثة آلهة بثلاث مشيئات، ثم ادعوا أنهم موحدون. ثلاثة أقانيم -أي أصول- في أقنوم واحد. كل أقنوم له إرادة مستقلة، ومشيئة متميزة. واختلفوا في الطبيعة، غير أنهم اتفقوا على أن كلا من الابن والروح القدس إله تام من إله تام. فليسمع العقلاء. أما نحن المسلمين، فنؤمن بوحدانية الله المطلقة، لا شريك له في ربوبيته ولا في ألوهيته، ليس له صاحبة ولا ولد. ونؤمن بأسمائه وصفاته، فله الأسماء الحسنى، وله الصفات العلى الكاملة، لا شريك له في أسمائه وصفاته، هو الأول فليس قبله شيء، وهو الآخر فليس بعده شيء. قديم بلا ابتداء، دائم بلا انتهاء، قائم بذاته غني عن العالمين، متصف بكل كمال منزه عن كل نقصان. ونؤمن بثبوت كل ما أثبته لنفسه، أو أثبته له رسوله -صلى الله عليه وسلم- من الأسماء والصفات، بلا تشبيه ولا تمثيل ولا تكييف ولا تعطيل. {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورة: ١١] ونؤمن بانتفاء كل ما نفاه عن نفسه، أو نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم. لأن ما أثبه الله لنفسه أو نفاه عنها، هو خبر أخبر به عن نفسه، وهو أعلم بنفسه وأصدق قيلا. وما أثبته له رسوله -صلى الله عليه وسلم- أو نفاه عنه، فهو خبر أخبر به عن الله، وهو أعلم الناس بربه، وأصدق الخلق وأفصحهم. أما العباد فلا يحيطون بربهم واجب الوجود علما.