ومن حكمة الله سبحانه أنه لم يكن فيها أحد من علماء أهل الكتاب مطلقا. بل كان قومه المشركون يرسلون في أول بعثته إلى البلاد التي فيها علماء من أهل الكتاب يسألونهم عن أمره. فيرسل اليهود إليهم بمسائل يمتحنون بها نبوته. والآيات التي نزلت في ذلك والأحاديث التي وردت كثيرة مشهورة. إن قومه المعادين له -وهم أعرف الناس بحاله من مولده إلى مبعثه- يعلمون حق العلم أنه -صلى الله عليه وسلم- لم يتعلم لا من أهل الكتاب ولا من غيرهم، ولم يجتمع بأحد من علماء أهل الكتاب ممن يعرف اللسان العربي؛ لأنهم يعلمون أنه لم يغادر مكة قبل البعثة إلا مرتين تحت سمعهم وبصرهم: - مرة وهو صغير يقارب عمره اثني عشر عاما مع عمه أبي طالب في نفر من قريش، لم يفارقهم فيها حتى رآه الراهب بحيرا، فعرفه من صفاته، وألح على عمه أن يرده إلى مكة مخافة أن تعرفه يهود. فرده عمه إلى مكة. أخرج ابن أبي شيبة وابن إسحاق أنه لما بلغ -صلى الله عليه وسلم- اثنتي عشرة سنة خرج مع عمه أبي طالب -وعند رزين: في أشياخ من قريش- حتى بلغ بصرى، فرآه بحيرا الراهب -واسمه جرجس- فعرفه بصفته، فقال: هذا سيد العالمين، هذا يبعثه الله رحمة للعالمين. فقال: وما علمك بذلك؟ فقال: إنكم حين أشرفتم من العقبة لم يبقَ حجر ولا شجر إلا وخر ساجدا. ولا تسجد إلا لنبي، وأقبل، وعليه غمامة تظله، وإني أعرفه بخاتم النبوة في أسفل غضروف كتفه مثل التفاحة، وإنا نجده في كتبنا. وسأل أبا طالب أن يرده خوفا عليه من اليهود، وعند رزين =