- ومرة أخرى وهو كبير مع ركب من قريش في تجارة، لم يفارقهم فيها أيضا، ولا خلا أو اجتمع بأحد دونهم، ولا سيما ميسرة غلام خديجة -رضي الله عنها- فإنه كان مساعده في التجارة. ثم عاد وأخبر خديجة -رضي الله عنها- بكل ما رآه من صدقه وأمانته وطيب نفسه وغير ذلك، مما مهد لزواجها منه فيما بعد. فإذا كان لم يسافر إلا هاتين السفرتين، ولم يره بحيرا إلا بعض نهار مع نفر من قريش، ولم يكلمه إلا كلمات يسيرة، يستخبرها بها عن حاله في حضور عمه وغيره. فكيف يتعلم هذه العلوم في سفرتين صغيرتين من بحيرا أو من غيره؟! علما بأن قومه المشركين كانوا أشد الناس عداوة له وحرصا على تكذيبه وإبطال أمره. ولو أنه تعلم من بشر لعلموا بذلك قطعا، ولطعنوا فيه وأظهروه لينفض عنه أتباعه بدلا من اضطهادهم أولا ثم محاربتهم. ولو حصل هذا بشهوده وبراهينه لتناقله الناس ووصل إلينا. فمع كمال علمهم بحاله يمتنع ألا يعلموا ذلك لو كان، ومع حرصهم على القدح فيه يمتنع ألا يقدحوا فيه، ولو قدحوا فيه من هذه الناحية لامتنع ألا يظهر ذلك ويصل إلينا؛ لأنه من أعظم ما تتوفر الدواعي على نقله وإشاعته. قال تعالى: {قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [يونس: ١٦]. الجواب الصحيح ١/ ١٤١، ٣/ ٢٤ و٢٩ - ٣٠ و٢٦٢، ٤/ ٢٩ و٣٤ و٥٤ - ٥٥، إظهار الحق ٢/ ٥١ - ٥٢. ٢ - أنه من الثابت في التاريخ، بل قد نقل بالتواتر أن =