فالطلاق الذي تجوز به الرجعة مرتان. وقد دلت السنة المطهرة على أن تكون المرتان متفرقتين في طهرين، فيكون الزوج على بينة مما يأتي وما يذر. فإما أن يمسكها بالمعروف، فيحسن معاشرتها وصحبتها، وإما أن يدعها فتتزوج بمن شاءت لعلها تسعد بالزواج الثاني. فإذا طلقها الثالثة بعد أن راجعها مرتين، فلا تحل له حتى تتزوج بعد رجلا آخر -وهي التي يسميها الفقهاء بينونة كبرى- ولن يتفرق بالطلاق بعد هذه الروية وهذه الأناة إلا زوجان من الخير ألا يجتمعا لصالحهما ولصالح أولادهما. والمقصود من الزوج الثاني أن يكون راغبا في المرأة قاصدا دوام عشرتها كما هو مقتضي الزواج، دون التحليل الذي وردت الأحاديث بذمة ولعن فاعله؛ أي: أن يكون زواجا صحيحا عن رغبة في دوامه. فإن طلقها الثاني بعد أن جربت الحياة معه وانقضت عدتها منه، فلا بأس أن تعود إلى الأول إن كان ثمة دلائل على الوفاق وطرح النزاع. هذه هي شريعة محمد -صلى الله عليه وسلم- جمعت بين المثالية والواقعية دون أن يطغى جانب على جانب، فكان فيها العدل والاعتدال؛ ولذلك جعلها خاتمة الشرائع، فهي شريعة عامة شاملة أبدية دائمة ناسخة لكل ما خالفها من الشرائع السابقة. ١ من العجب أن يهود ينكرون على المسلمين في تشريعهم عودة المطلقة من زوجها الثاني بعد أن تنقضي عدتها إلى زوجها الأول، ويرون هذا العمل زنى. ولا ينكرون على أنفسهم ما يزعمون من أن الأخ إذا مات ولم يكن له عقب، فإن من الواجب على أخيه الآخر أن يدخل على زوجة المتوفى ويجامعها لتحمل منه، فإذا ولدت نسبوه إلى أخيه الميت، ودعوه ابنه كما سيأتي في فصل معرب عن بعض فضائحهم إن شاء الله.