الإسناد كاذبا. ويكون قصده بذلك إما الرياسة عليهم وإما تحصيل غرض منهم، ولا سيما إن أراد المقام بينهم أو التدبير عندهم. فتراه أول ما ينزل عندهم لا يأكل من أطعمتهم ولا من ذبائحهم، ويتأمل سكين ذابحهم، وينكر عليهم بعض أمره، ويقول: أنا لا آكل إلا من ذباحة يدي. فتراهم معه في عذاب، لا يزال ينكر عليهم الحلال والمباح، ويوهمهم تحريمه بإسنادات يخترعها حتى لا يشكوا في ذلك. فإن وصل بعد مدة طويلة من أهل بلده من يعرف أنه كاذب في تلك الإسنادات فلا يخلو من أن يوافقه أو يخالفه؛ فإن وافقه فإنما يوافقه ليشاركه في الرياسة الناموسية التي حصلت له، وخوفا من أن يكذب إن خالفه وينسب إلى قلة الدين. وأيضا فإن القادم الثاني في أكثر الأمر يستحسن ما اعتمده القادم الأول من تحريم المباحات وإنكار المحللات ويقول: لقد عظَّم الله ثواب فلان؛ إذ قوى ناموس الشرع في قلوب هذه الجماعة، وشيد سياجه. وإذا لقيه على الانفراد يشكره، ويجزيه خيرا ويقول له: لقد زين الله بك أهل بلدنا. وإن كان القادم الثاني ينكر ما أتى به القادم الأول من الإنكار عليهم والتضييق، لم يبق أحد من الجماعة يستنصحه، ولا يصدقه، بل جميعهم ينسبون إلى قلة الدين؛ لأن هؤلاء القوم يعتقدون أن تضييق المعيشة وتحريم المحللات هو المبالغة في الدين والزهد، وهم أبدا يعتقدون الدين والحق مع من يضيق عليهم، ولا ينظرون هل يأتي بدليل أم لا، ولا يبحثون عن كونه محقا أو مبطلا. هذا حال القادم إلى بلد من متفقهة اليهود.
فأما إن كان القادم أحد أحبار اليهود وعلمائهم، فهناك ترى العجب من الناموس الذي يعتمده، والسنن التي يحدثها ويلحقها بالفرائض. ولا يقدر أحدهم على الاعتراض عليه. فتراهم مستسلمين إليه، وهو يجتلب درهم، ويجلب بحيلة درهمهم. حتى لو بلغه أن بعض