يهوذا: نحن أحق الناس بالسبق إلى الملك والاختصاص بخدمته لأنه منا، فلا وجه لعتبكم علينا يا بني إسرائيل في ذلك. فنبغ فضولي يقال له:"نجزى بن يوشع" فنادى برفيع صوته: "لا حظ لنا في داود، ولا نصيب لنا في ابن يساي. ليمض كل منكم إلى خبائه يا إسرائيليين". فما كان بأسرع من انفضاضهم -أي جميع عساكر بني إسرائيل- عن داود بسبب كلمة ذلك الفضولي. ولما توصل الوزير "يؤاب" إلى قتل المشغب عادت العساكر جميعها إلى طاعة داود١. فما كان القوم إلا مثل رعاع همج العوام الذين تجمعهم دبدبة وتفرقهم صيحة.
وأما عبادتهم الكبشين، وتركهم الحج إلى القدس، ثم إصرارهم على مخالفة الأنبياء إلى انقضاء دولتهم، فمما لا يصدر عن متمسك بأهداب العقل. وسبيلهم ألا يتطرقوا إلى معايب أحد من الأمم إذا كانت هذه مخازيهم وفضائحهم.
فأما تسرعهم إلى قبول الباطل والمستحيل، فإننا نذكر منه طرفا ينبئ عن قلة عقولهم: وهو ما جرى في زماننا من أذكاهم وأكيسهم وأمكرهم، وهم يهود بغداد. فإن محتالا من شبان اليهود نشأ في سواد الموصل، يقال له:"مناحيم بن سليمان" ويعرف بابن الروحي. وكان ذا جمال في صورته. وقد تفقه في دينهم بالإضافة إلى الجمهور من اليهود الساكنين بالناحية المعروفة بالعمادية من بلاد الموصل. وكان المتولي لقلعة هناك زميل لذلك المحتال، وأحبه لحسن اعتقاده فيه، ولما توهم
١ قصة خروج أبشالوم على أبيه داود مذكورة في سفر صموئيل الثاني في الأبواب من ١٥ - ٢٠، وأطرف ما في ذلك أنهم ادعوا أن داود طفق يبكي على ابنه بعد مقلته ويقول وهو يمشي: يابني أبشالوم يابني، يابني أبشالوم، يا ليتني مت عوضا يا أبشالوم ابني ابني، كما في ١٨/ ٣٣.