فيه من ديانة تظاهر بها؛ بحيث إن الوالي كان يسعى إلى زيارته. فطمع ذلك المحتال في جانب الوالي، واستضعف عقله، فتوهم أنه يتمكن من الوثب على القلعة وأخذها، وأنها تبقى له معقلا حصينا. فكتب إلى اليهود القرائين المتفرقين بنواحي أذربيجان وما والاها؛ لأنه علم أن اليهود الأعاجم أقوى جهالة من سائر اليهود. وذكر في كتبه: أنه قائم قد غار لليهود من يد المسلمين. وخاطبهم بأنواع المكر والخديعة.
فمن بعض فصول كتبه التي رأيتها ما هذا معناه:"ولعلكم تقولون: هذا لأي شيء قد استنفرنا لحرب أم لقتال؟ لا، لسنا نريدكم لحرب ولا لقتال، بل لتكونوا واقفين بين يدي هذا القائم ليراكم هناك من يفشاه من رسل الملوك الذين ببابه". وفي أواخر الكتاب الكيد:"ينبغي أن يكون مع كل واحد منكم سيف أو غيره من آلات الحرب، ويخفيه تحت أثوابه". فاستجابت إليه يهود الأعاجم وأهل نواحي العمادية وسواد الموصل، ونفروا إليه بالسلاح المستتر، حتى صار عنده منهم جماعة كثيفة.
وكان الوالي لحسن ظنه به يظن أن أولئك القادمين إنما جاءوا لزيارة ذلك الحبر الذي قد ظهر لهم بزعمه في بلده إلى أن انكشفت له مطامعهم، وكان حليما عن سفك الدماء. فقتل صاحب الفتنة المحتال وحده. وأما الباقون فتهاجوا مدبرين، بعد أن ذاقوا وبال المشقة والخسارات والفقر. ولم تنكشف هذه القصة لهم مع ظهورها لكل ذي عقل. بل هم إلى الآن يفضلونه على كثير من أنبيائهم -أعني يهود العمادية- ومنهم من يعتقد أنه المسيح المنتظر بعينه. ولقد رأيت جماعة من يهود الأعاجم: بخوى وسلماس وتبريز ومراغة قد جعلوا اسمه قَسَمهم الأعظم. وأما من في العمادية من اليهود فصاروا أشد مباينة ومخالفة في جميع أمورهم لليهود من النصارى. وفي تلك الولاية جماعة منهم على دين ينسبونه إلى مناحيم المحتال المذكور.