ولما وصل الخبر إلى بغداد اتفق هناك شخصان من محتالي اليهود ودواهي مشيختهم، فزوروا على لسان مناحيم كتابا إلى بغداد، تبشرهم بالفرج الذي كانوا قديما ينتظرونه، وأنه يعين لهم ليلة يطيرون فيها أجمعين إلى بيت المقدس. فانقاد اليهود البغداديون إليهما مع ما يدعونه من الذكاء، ويفخرون به من الخب. انقادوا بأسرهم إلى تصديق ذلك، وذهبوا بنسوانهم وأموالهم وحليهم إلى ذينك الشيخين؛ ليتصدقا به على من يستحقه بزعمهما. وصرف اليهود جل أموالهم في هذا الوجه، واكتسبوا ثيابا خضرا، واجتمعوا في تلك الليلة على السطوح ينتظرون الطيران بزعمهم على أجنحة الملائكة إلى بيت المقدس. وارتفع من النساء بكاء على أطفالهم المرتضعين، خوفا أن يطرن قبل طيران أولادهن، أو يطير أطفالهن قبلهن، فتجوع الأطفال بتأخر الرضاع عنهن.
وتعجب المسلمون هناك مما اعترى اليهود حينئذ؛ بحيث أحجموا عن معارضتهم حتى تنكشف آثار مواعيدهم العرقوبية.
فما زالوا متهافتين إلى الطيران إلى أن أسفر الصباح عن خذلانهم وامتهانهم. ونجا ذانك المحتالان بما وصل إليهما من أموال اليهود، وانكشف لهم بعد ذلك وجه الحيلة، وما تظاهروا به من جلباب الرذيلة. فسموا ذلك العام عام الطيران، وصاروا يعتبرون به سنين كهولهم والشبان. وهو تاريخ البغداديين من المتهودة في هذا الزمان. فكفاهم هذا الأمر عارا دائما وشنارا ملازما١.
وفيما قد أوردناه كفاية قاضية للوطر من إفحامهم وإلجامهم بما هو عين ما عندهم، وأعوذ بالله مما يشركون، وإليه البراءة مما يكفرون. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.