للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبلاد الْحجاز واليمامة وَمَا يَليهَا من جَزِيرَة الْعَرَب فِي الإقليم الأول وَالثَّانِي فَإِن جَزِيرَة الْعَرَب كلهَا أحاطت بهَا الْبحار من الْجِهَات الثَّلَاث فَكَانَ لرطوبتها أثر فِي رُطُوبَة هوائها فنقص ذَلِك من اليبس والانحراف الَّذِي يَقْتَضِيهِ الْحر وَصَارَ فِيهِ بعض الِاعْتِدَال بِسَبَب رُطُوبَة الْبَحْر

وَقد توهم بعض النسابين مِمَّن لَا علم لَدَيْهِ بطبائع الكائنات أَن السودَان هم ولد حام بن نوح اختصوا بلون السوَاد لدَعْوَة كَانَت عَلَيْهِ من أبيد ظهر أَثَرهَا فِي لَونه وَفِيمَا جعل الله من الرّقّ فِي عقبه وينقلون فِي ذَلِك حِكَايَة من خرافات الْقصاص وَدُعَاء نوح على إبنه حام قد وَقع فِي التَّوْرَاة وَلَيْسَ فِيهِ ذكر السوَاد وَإِنَّمَا دَعَا عَلَيْهِ بِأَن يكون وَلَده عبيدا لولد أخوته لَا غير وَفِي القَوْل بنسبته السوَاد إِلَى حام غَفلَة عَن طبيعة الْحر وَالْبرد وأثرهما فِي الْهَوَاء وَفِيمَا يتكون فِيهِ من الْحَيَوَانَات وَذَلِكَ أَن هَذَا اللَّوْن شَمل أهل الإقليم الأول وَالثَّانِي من مزاج هوائهم للحرارة المتضاعفة بالجنوب فَإِن الشَّمْس تسامت رُؤْسهمْ مرَّتَيْنِ فِي كل سنة قريبَة أَحدهمَا من الْأُخْرَى فتطول المسامته عَامَّة الْفُصُول فيكثر الضَّوْء لأَجلهَا ويلج القيظ الشَّديد عَلَيْهِم وَتسود جُلُودهمْ لإفراط الْحر وَنَظِير هذَيْن الإقليمين مِمَّا يقابلهما من الشمَال الإقليم السَّابِع وَالسَّادِس شَمل سكانها أَيْضا الْبيَاض من مزاج هوائهم للبرد المفرط فِي الشمَال إِذْ الشَّمْس لَا تزَال بأفقهم فِي دَائِرَة مرأى الْعين أَو مَا قرب مِنْهَا وَلَا ترْتَفع إِلَى المسامتة وَلَا مَا قرب مِنْهَا فيضعف الْحر فِيهَا ويشتد الْبرد عَامَّة الْفُصُول فتبيض ألوان أَهلهَا وتنتهي إِلَى الزعورة وَيتبع ذَلِك مَا يَقْتَضِيهِ مزاج الْبرد المفرط من زرقة الْعُيُون وبرش الْجُلُود وصهوبة الشُّعُور

وتوسطت بَينهمَا الأقاليم الثَّلَاثَة الْخَامِس وَالرَّابِع وَالثَّالِث فَكَانَ لَهَا فِي الإعتدال الَّذِي هُوَ مزاج الْمُتَوَسّط حَظّ وافر وَالرَّابِع أبلغهَا فِي الإعتدال غَايَة لنهايتة فِي التَّوَسُّط فَكَانَ لأَهله من الإعتدال فِي خلقهمْ وخلقهم مَا اقْتَضَاهُ مزاج أهويتهم وَتَبعهُ عَن جانبيه الثَّالِث وَالْخَامِس وَإِن لم يبلغَا غَايَة التَّوَسُّط لميل هَذَا قَلِيلا إِلَى الْجنُوب الْحَار وَهَذَا قَلِيلا إِلَى الشمَال الْبَارِد إِلَّا أَنَّهُمَا لم ينتهيا إِلَى الإنحراف

<<  <   >  >>