ذكر فِي التَّارِيخ
لَا يخفى أَن فن التَّارِيخ من الْفُنُون الَّتِي يتداولها الْأُمَم والأجيال وتشد إِلَيْهِ الركائب والرحال وتسمو إِلَى معرفَة السوقة والأغفال وتتنافس فِيهِ الْمُلُوك والأقيال ويتساوى فِي فهمه الْعلمَاء والجهال إِذْ هُوَ فِي ظَاهره لَا يزِيد على أَخْبَار عَن الْأَيَّام والدول والسوابق من الْقُرُون الأول تنمي فِيهَا الْأَقْوَال وتضرب فِيهَا الْأَمْثَال وتطرف بهَا الأندية إِذا غصها الاحتفال وَتُؤَدِّي إِلَيْنَا شَأْن الخليقة كَيفَ تقلبت بهَا الْأَحْوَال واتسع للدول فِيهَا النطاق والمجال وعمروا الأَرْض حَتَّى نَادَى بهم الارتحال وحان مِنْهُم الزَّوَال وَفِي بَاطِنه نظر وَتَحْقِيق وتعليل للكائنات ومباديها دَقِيق وَعلم بكيفيات الوقائع وأسبابها عميق فَهُوَ لذَلِك أصيل فِي الْحِكْمَة عريق وجدير بِأَن يعد فِي علومها خليق وَأَن فحول المؤرخين فِي الْإِسْلَام قد استوعبوا أَخْبَار الْأَيَّام وجمعوها وسطروها فِي صفحات الدفاتر وأودعوها وخلطها المتطفلون بدسائس من الْبَاطِل وهموا فِيهَا أَو ابتدعوها وزخارف من الرِّوَايَات المضعفة لفقوها ووضعوها واقتفى تِلْكَ الْآثَار الْكثير مِمَّن بعدهمْ واتبعوها وأدوها إِلَيْنَا كَمَا سمعوها وَلم يلاحظوا أَسبَاب الوقائع وَالْأَحْوَال وَلم يراعوها وَلَا رفضوا ترهات الْأَحَادِيث وَلَا دفعوها فالتحقيق قَلِيل وطرف التَّنْقِيح فِي الْغَالِب كليل والغلط وَالوهم نسيب للْأَخْبَار وخليل والتقليد عريق فِي الْآدَمِيّين وسليل والتطفل على الْفُنُون عريض وطويل ومرعى الْجَهْل بَين الْأَنَام وخيم ووبيل وَالْحق لَا يُقَاوم سُلْطَانه وَالْبَاطِل يقذف بشهاب النّظر شَيْطَانه والناقل إِنَّمَا هُوَ يملي وينقل والبصيرة تنقد الصَّحِيح إِذا تمقل وَالْعلم يجلو لَهَا صفحات الصَّوَاب ويصقل
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute