للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مشيًا هذا كله كلام أبي عمر، قلت: ومدار إنكار التبكير أول النهار على ثلاثة أقوال: أحدها على لفظة الرواح، وإنها لا تكون لا بعد الزوال، والثاني: لفظة التهجير وهي إنما تكون بالهاجرة وقت شدة الحر، والثالث: عمل أهل المدينة فإنهم لم يكونوا يأتون من أول النهار، فأما لفظة الرواح فلا ريب إنها تطلق على المضي بعد الزوال، وهذا إنما يكون في الأكثر إذا قرنت بالغدو كقوله تعالى: {غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ} ، وقوله صلى الله عليه وسلم: "من غدا إلى المسجد وراح أعد الله له نزلًا في الجنة كلما غدا أو راح"، وقول الشاعر:

نروح ونغدو لحاجاتنا ... وحاجة من عاش لا تنقضي

وقد يطلق الرواح بمعنى الذهاب والمضي، وهذا إنما يجيء إذا كانت مجردة عن الاقتران بالغدو، وقال الأزهري في التهذيب: سمعت بعض العرب يستعمل الرواح في السير في كل وقت يقول: راح القوم إذا ساروا وغدوا، ويقول أحدهم لصاحبه: نروح ويخاطب أصحابه، فيقول: روحوا أي سيروا، ويقول الآخر: ألا تروحوا ونحو ذلك ما جاء في الأخبار الصحيحة الثابتة، وهو بمعنى المضي إلى الجمعة، والسير إليها لا بمعنى الرواح بالعشي، وأما لفظ التهجير والمهجر فمن الهجير والهاجرة، قال الجوهري: هي نصف النهار عند اشتداد الحر تقول: منها هجر النهار قال امرؤ القيس:

فدعها وسل الهم عنها بحسرة ... ذيول إذا صام النهار وهجرا

ويقال: أتينا أهلنا مهجرين أي في وقت الهاجرة، والتهجير السير في الهاجرة، فهذا ما يقرر به قول أهل المدينة قال الآخرون: الكلام في لفظ التهجير كالكلام في لفظ الرواحد، فإنه يطلق ويراد به التبكير، وقال الأزهري في التهذيب: روى مالك عن سمي عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "

لو يعلم الناس ما في التهجير لاستبقوا إليه"، وفي حديث آخر مرفوع: "المهجر إلى الجمعة كالمهدي بدنة"، قال: ويذهب كثير من الناس إلى أن التهجير في هذه الأحاديث من الهاجرة، وقت الزوال وهو غلط، والصواب فيه ما روى أبو داود المصاحفي، والنضر بن شميل أنه قال: التهجير إلى الجمعة وغيرها التبكير قال: سمعت الخليل

<<  <   >  >>