لَا قَوْلَ فِيهَا غَيْرُ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ، فَلَمَّا انْتَفَى أَحَدُهُمَا ثَبَتَ الْآخَرُ فَهَذَا حُكْمُ الْخُطْبَةِ الَّتِي قَبْلَ عَرَفَةَ مِنْ خُطَبِ الْحَجِّ وَأَمَّا الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ مِنْ خُطَبِ الْحَجِّ فَلَا يَخْتَلِفُونَ أَنَّهَا فِي يَوْمِ عَرَفَةَ، وَأَنَّهَا بَعْدَ الزَّوَالِ كَمَا ذَكَرْنَا فِيهَا، غَيْرَ أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي تَقْدِيمِ الْأَذَانِ عَلَيْهَا، وَفِي تَقْدِيمِهَا عَلَى الْأَذَانِ، وَفِي ابْتِدَاءِ الْإِمَامِ إِيَّاهَا مَعَ أَحَدِ الْمُؤَذِّنِينَ فِي الْأَذَانِ، فَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَكَانَ يَقُولُ فِي ذَلِكَ فِيمَا حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي يُوسُفَ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: أَرَأَيْتَ الْإِمَامَ كَيْفَ يُصَلِّي الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ بِعَرَفَةَ؟ وَكَيْفَ يَخْطُبُ؟ وَكَيْفَ يَصْنَعُ؟ قَالَ: " يَصْعَدُ الْمِنْبَرَ، وَيُؤَذِّنُ الْمُؤَذِّنُ بِالظُّهْرِ وَالْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَإِذَا فَرَغَ الْمُؤَذِّنُ قَامَ الْإِمَامُ، فَخَطَبَ، فَحَمِدَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَهَلَّلَ، وَكَبَّرَ، وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَوَعَظَ النَّاسَ، وَأَمَرَهُمْ بِمَا يَحِقُّ عَلَيْهِمْ، وَنَهَاهُمْ عَمَّا نَهَاهُمُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهُ، ثُمَّ دَعَا
اللهَ بِحَاجَتِهِ، ثُمَّ نَزَلَ، ثُمَّ أَقَامَ الْمُؤَذِّنُ "، وَلَمْ يَحْكِ فِي ذَلِكَ خِلَافًا وَأَمَّا جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْوَلِيدِ، فَحَدَّثَنَا عَنْ بِشْرِ بْنِ الْوَلِيدِ الْكِنْدِيِّ، قَالَ: قَالَ أَبُو يُوسُفَ: " أَرَى لِلْإِمَامِ أَنْ يَخْطُبَ فِي الْحَجِّ ثَلَاثَ خُطَبٍ: إِحْدَاهُنَّ قَبْلَ التَّرْوِيَةِ بِيَوْمٍ بَعْدَ الظُّهْرِ، يُخْبِرُهُمْ فِيهَا بِمَنَاسِكِ حَجِّهِمْ، وَيُخْبِرُهُمْ عَنْ فَضْلِ الْحَجِّ، وَيَأْمُرُهُمْ بِالَّذِي يَلْزَمُهُمْ فِيهِ، وَيَنْهَاهُمْ عَمَّا لَا يَنْبَغِي لَهُمْ فِيهِ " وَالْخُطْبَةُ يَوْمَ عَرَفَةَ كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ: فِيهَا يَصْعَدُ الْإِمَامُ يَوْمَ عَرَفَةَ، ثُمَّ يُؤَذِّنُ الْمُؤَذِّنُ كَأَذَانِ الْجُمُعَةِ، وَيَخْطُبُ فِيهَا كَخُطْبَةِ الْجُمُعَةِ، فَإِذَا نَزَلَ عَنِ الْمِنْبَرِ أَقَامَ قَالَ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: سَمِعْتُ بَعْضَ مُؤَذِّنِي عَرَفَةَ، يَقُولُ: " كُنَّا نُؤَذِّنُ بَعْدَمَا يَخْطُبُ الْإِمَامُ صَدْرًا مِنْ خُطْبَتِهِ لَيْسَ بَيْنَ يَدَيْهِ " وَأَمَّا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي عِمْرَانَ فَذَكَرَ لَنَا هَذِهِ الرِّوَايَةَ أَيْضًا عَنْ أَبِي يُوسُفَ، قَالَ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: سَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ بَعْضَ مُؤَذِّنِي مَكَّةَ، فَأَخْبَرُونِي أَنَّهُمْ أَدْرَكُوا آبَاءَهُمْ عَلَى ذَلِكَ فِي تَقَدُّمِ الْإِمَامِ فِي الْخُطْبَةِ الْمُؤَذِّنِينَ فِي الْأَذَانِ، وَأَنَّ آبَاءَهُمْ أَخْبَرُوهُمْ أَنَّهُمْ أَدْرَكُوا النَّاسَ عَلَى ذَلِكَ وَإِنَّ أَبَا يُوسُفَ رَجَعَ عَنْ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ إِلَى هَذَا الْقَوْلِ، وَإِنَّ أَبَا يُوسُفَ قَدْ كَانَ قَالَ مَرَّةً: يَبْتَدِئُ الْإِمَامُ الْخُطْبَةَ وَالْمُؤَذِّنُ الْأَذَانَ مَعًا كَمِثْلِ مَا حَكَيْنَا عَنِ الشَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute