فَثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ هَذِهِ الآثَارِ الَّتِي رُوِّينَا أَنَّ الْحُكْمَ فِي الْبُدْنِ أَلا تُرْكَبَ فِي غَيْرِ أَحْوَالِ الضَّرُورَاتِ، وَلا تُرْكَبَ فِي أَحْوَالِ الضَّرُورَاتِ لِيَكُونَ مَا رُوِّينَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فِي الإِبَاحَةِ فِي ذَلِكَ هُوَ الإِبَاحَةُ الَّتِي رُوِّينَاهَا عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ وَهَذَا الْقَوْلُ أَيْضًا أَشْبَهُ بِتَأْوِيلِ الآيَةِ مِنَ الْقَوْلِ الآخَرِ، لأَنَّهُ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ فِي الآيَةِ: {لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} ، فَدَلَّنَا ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْمَنَافِعَ بِهَا قَدْ تَرْتَفِعُ عَنْهَا عِنْدَ ذَلِكَ الأَجَلٍ الْمُسَمَّى، وَالأَجَلُ الْمُسَمَّى مَوْجُودٌ فِي هَذَا التَّأْوِيلِ، لأَنَّ أَهْلَهُ يَقُولُونَ: هُوَ أَنْ تَصِيرَ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ بُدْنًا، فَيَحْرُمُ الانْتِفَاعُ بِهَا وَالآخَرُونَ لَا يَحْرُمُ الانْتِفَاعُ بِهَا فِي قَوْلِهِمْ إِلَى بُلُوغِ مَحِلِّهَا، وَلا بُدَّ مِنْ أَنْ يِكُونَ لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} مَعْنًى وَالْقِيَاسُ أَيْضًا يَدُلُّ هَذَا الْقَوْلَ، وَذَلِكَ أَنَّا وَجَدْنَاهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ أَنَّ هَذِهِ الْبُدْنَ الَّتِي ذَكَرْنَا اخْتِلَافَهُمْ فِي رُكُوبِهَا، لَيْسَ لِسَائِقِهَا إِجَارَتُهَا، وَلا التَّعَوُّضُ بِمَنَافِعِهَا أَعْوَاضًا وَقَدْ وَجَدْنَا الأَشْيَاءَ الَّتِي الإِمْلاكُ فِيهَا مُتَكَامِلَةٌ، وَمَنَافِعُهَا مُبَاحَةٌ لأَهْلِهَا، لَا بَأْسَ عَلَى أَهْلِهَا بِإِجَارَتِهَا، وَتَمْلِيكِ مَنَافِعِهَا بِأَعْوَاضٍ يَتَعَوَّضُونَهَا مِنْهَا، كَالْمَمَالِيكِ الَّذِينَ لَمْ يَدْخُلْهُمْ عَتَاقٌ، وَلأَوْلادِهِمْ مِنْ مَالِكِيهِمْ، وَلا تَدْبِيرَ مِنْهُمْ لَهُمْ وَكَانَتِ الْوِلادَةُ وَالتَّدْبِيرُ إِذَا حَدَثَا فِيهِمْ مِمَّنْ يَمْلِكُهُمْ فَنَقَصَتْ بِذَلِكَ الإِمْلَاكُ فِيهِمْ، وَصَارَتْ أُمَّهَاتُ الأَوْلادِ مِنْهُمْ مَمْنُوعَاتٍ مِنْ بَيْعِهِنَّ، وَمِنْ تَمْلِيكِهِنَّ أَحَدًا، وَصَارَ الْمُدَبَّرُونَ مِنْهُمْ، فِي قَوْلِ مَنْ يَمْنَعُ مِنْ بَيْعِهِمْ، أَيْضًا لَمْ يُمْنَعْ مِنْ إِجَارَتِهِمْ، وَلا مِنَ التَّعْوِيضِ مِنْ مَنَافِعِهِمْ، كَمَا كَانَ ذَلِكَ طَلْقًا مُبَاحًا قَبْلَ حُدُوثِ ذَلِكَ فِيهِمْ، إِذْ كَانَ مَا حَدَثَ فِيهِمْ مِنَ الْوِلادَةِ وَالتَّدْبِيرِ لَمْ يَمْنَعْ أَرْبَابَهُمْ مِنَ الانْتِفَاعِ بِهِمْ، فَلَمْ يَمْنَعْهُمْ أَيْضًا
مِنْ تَمْلِيكِ ذَلِكَ الانْتِفَاعِ غَيْرَهُمْ، وَالتَّعَوُّضِ مِنْهُ الأَبْدَالَ، وَكَانَتِ الْبُدْنُ الَّتِي قَدْ وَجَبَتْ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَسِيقَتْ إِلَيْهِ، وَقُلِّدَتْ لَهُ، لَيْسَ لِمَنْ جَعَلَهَا كَذَلِكَ إِجَارَتُهَا، وَلا الاعْتِيَاضُ مِنْ مَنَافِعِهَا أَعْوَاضًا فَدَلَّ ذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَيْضًا الانْتِفَاعُ بِهَا، وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ الانْتِفَاع بِهَا لِنَفْسِهِ إِذًا لَكَانَ لَهُ تَمْلِيكُ ذَلِكَ مِنْهَا مَنْ شَاءَ بِمَا شَاءَ مِنَ الأَعْوَاضِ، كَمَا كَانَ لَهُ ذَلِكَ فِي أُمَّهَاتِ الأَوْلادِ وَالْمُدَبَّرِينَ وَفِي ثُبُوتِ مَا ذَكَرْنَا ثُبُوتُ الْقَوْلِ الثَّانِي مِنَ الْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ وَصَفْنَا، وَأَنَّ تَأْوِيلَ الآيَةِ بِالَّذِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute