لِلتَّرَبُّصِ، لأَنَّهُ كَانَ مَحْصُورًا بِمُدَّةٍ قَدْ مَضَتْ، فَلا مَعْنَى لَهُ بَعْدَهَا، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَعْنًى بَعْدَهَا ذَهَبَ مَعْنَى الإِيلاءِ الَّذِي يُؤْخَذُ الْمُولِي بِالْفَيْءِ الَّذِي أَوْجَبَهُ اللهُ عَلَيْهِ، إِنَّما يَكُونُ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي حَبَسَ الْمَرْأَةَ عَلَيْهِ لَهَا، وَجَعَلَهَا مُتَرَبِّصَةً بِنَفْسِهَا عَلَيْهِ إِلَى انْقِضَائِهَا، لَا فِيمَا بَعْدَهَا وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ ثَبَتَ وُقُوعُ الطَّلاقِ عَلَى الْمَرْأَةِ بِمُضُيِّ الأَرْبَعَةِ الأَشْهُرِ، وَثَبَتَ أَنَّ مُضِيَّهَا هُوَ عَزْمُ الطَّلاقِ إِذَا كَانَ الزَّوْجُ فِيهَا يُمْكِنُهُ الْجِمَاعُ الَّذِي لَوْ فَعَلَهُ كَانَ قَدْ فَاءَ إِلَيْهَا، وَزَالَ عَنْ ظُلْمِهَا بِحَلِفِهِ عَلَى تَرْكِ جِمَاعِهَا كَمَا قَالَتِ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ الَّتِي حَكَيْنَا هَذَا الْقَوْلَ عَنْهَا فَقَالَ قَائِلٌ مِنْ أَهْلِ الطَّائِفَةِ الأُولَى مُحْتَجًّا عَلَى الطَّائِفَةِ
الثَّانِيَةِ: قَدْ رَأَيْنَاكُمْ تَقُولُونَ فِي الْمُلاعِنِ أَنَّ الْفُرْقَةَ لَا تَقَعُ بِاللِّعَانِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ حَتَّى يُحْدِثَ الْقَاضِي فُرْقَةً بَيْنَهُمَا فَيَزُولُ بِذَلِكَ النِّكَاحُ، وَمَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنَ الْقَاضِي فَالنِّكَاحُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ يَجِبُ عَلَيْكُمْ أَنْ تَقُولُوا فِي الْمُولِي أنَّ الطَّلاقَ لَا يَقَعُ مِنْهُ حَتَّى يَكُونَ الْقَاضِي هُوَ الَّذِي يَحْكُمُ بِإِيقَاعِ الطَّلاقِ عَلَيْهَا، وَبِفِرَاقِهِ لَهَا وَكَانَتْ هَذِهِ الْمُطَالَبَةُ عِنْدَنَا إِنَّما يُرَادُ بِهَا أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ دُونَ زُفَرَ، لأَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ فِي الْمُلاعِنِ مَا حَكَاهُ هَذَا الْقَائِلُ، وَكَانَ زُفَرُ يُخَالِفُهُمْ فِي ذَلِكَ، وَيَذْهَبُ إِلَى أَنَّ اللِّعَانَ إِذَا تَمَّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ وَقَعَتِ الْفُرْقَةُ، وَإِنْ لَمْ يُفَرِّقِ الْحَاكِمُ كَمَا يَقُولُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَسَنَذْكُرُ اخْتِلافَ النَّاسِ فِي ذَلِكَ، وَاحْتِجَاجَ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، وَإِقَامَةَ الْحُجَّةِ لِلصَّحِيحِ مِنْ أَقْوَالِهِمْ فِيهَا بَعْدُ إِنْ شَاءَ اللهُ وَأَمَّا الْجَوَّابُ لِلسَّائِلِ فِيمَا سَأَلَ عَنْهُ، وَفِيمَا عَارَضَ بِهِ أَبَا حَنِيفَةَ، وَأَبَا يُوسُفَ، وَمُحَمَّدًا فِيمَا ذَكَرْنَا، فَإِنَّا رَأَيْنَا اللِّعَانَ لَا يَكُونُ دُونَ الْحَاكِمِ، فَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ تَكُونَ الأَشْيَاءُ الَّتِي تُخْتَمُ بِهَا الْحَوَادِثُ، وَتُكَمَّلُ بِهَا أَحْكَامُهَا، أَنْ تُرَدَّ إِلَى حُكْمِ مَا ابْتُدِئَتْ بِهِ، فَتَكُونُ أَحْكَامُ أَوَاخِرِهَا كَأَحْكَامِ أَوَائِلِهَا لِيُوَافِقَ بَعْضُهَا بَعْضًا، فَكَمَا كَانَ ابْتِدَاءُ اللِّعَانِ مِنَ الْحَاكِمِ كَذَلِكَ تَفْيِئَتُهُ تَكُونُ مِنَ الْحَاكِمِ، أَوْ كَمَا كَانَ ابْتِدَاءُ الإِيلاءِ دُونَ الْحَاكِمِ كَانَ مَا يَفِيءُ مِنْهُ يَكُونُ دُونَ الْحَاكِمِ وَكَذَلِكَ سَائِرُ الأَشْيَاءِ سِوَى هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ قَدْ جَرَتْ عَلَى هَذَيْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute