الْحُكْمَيْنِ، فَجُعِلَ حُكْمُ أَوَاخِرِهَا كَحُكْمِ أَوَائِلِهَا، مِنْ ذَلِكَ عُقُودُ النِّكَاحَاتِ قَدْ رَأْيَنَا تَكُونُ دُونَ الْحَاكِمِ، وَكَذَلِكَ
الأَشْيَاءُ الَّتِي تُزِيلُهَا مِنَ الْفِرَقِ بِالطَّلاقِ يَكُونُ أَيْضًا دُونَ الْحَاكِمِ، فَهَذَا حُكْمُ مَا كَانَ أَوَّلُهُ دُونَ الْحَاكِمِ وَأَمَّا مَا لَمْ يَكُنْ أَوَّلُهُ إِلا بِالْحَاكِمِ فَتَأْجِيلُ الْعِنِّينَ الْحَوْلَ الَّذِي يَجِبُ أَنْ يُؤَجِّلَهُ لامْرَأَتِهِ الَّتِي خَاصَمَتْهُ فِي عَجْزِهِ عَنْ جِمَاعِهَا الْوَاجِبِ لَهَا عَلَيْهِ بِحَقِّ النِّكَاحِ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ دُونَهُ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمَا إِيجَابُ الْحَوْلِ بَيْنَهُمَا، فَكَانَ الَّذِي يُوجِبُهُ مُضِيُّ الْحَوْلِ مِنْ تَخْيِيرِ الْمَرْأَةِ بَيْنَ الإِقَامَةِ مَعَ زَوْجِهَا الَّذِي خَاصَمَتْهُ فِي ذَلِكَ، وَبَيْنَ فِرَاقِهِ، لَا يَكُونُ إِلا عِنْدَ الْحَاكِمِ حَتَّى يَكُونَ الْحَاكِمُ الَّذِي يُوجِبُ آخِرَ هَذَا الأَمْرِ الَّذِي أَوْجَبَ أَوَّلَهُ فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ الأَشْيَاءَ كُلَّهَا تَدُورُ عَلَى هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ، فَكَمَا كَانَ أَوَّلُهُ بِالْحَاكْمِ لَا بِغَيْرِهِ فَكَذَلِكَ آخِرُهُ يَكُونُ بِالْحَاكْمِ، وَمَا كَانَ أَوَّلُهُ بِغَيْرِ الْحَاكْمِ فَكَذَلِكَ آخِرُهُ يَكُونُ بِغَيْرِ الْحَاكْمِ وَالْمُولِي فَقَدْ يَكُونُ إِيلاؤُهُ بِاتِّفَاقِهِمْ جَمِيعًا بِغَيْرِ الْحَاكْمِ فَكَذَلِكَ آخِرُهُ، قِيَاسًا عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا مِنَ الْفَيْءِ وَالْعَزْمِ اللَّذَيْنِ وَصَفْنَا، فَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي الْمُولِي الْقَادِرِ عَلَى جِمَاعِ زَوْجَتِهِ الْمُولِي مِنْهَا، فَأَمَّا إِنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ ذَلِكَ بِعِلَّةٍ بِهِ مِنْ مَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ، تَمْنَعُ مِنْ جِمَاعِهَا، أَوْ كَانَتْ بِهَا عِلَّةٌ لَا يَصِلُ إِلَى جِمَاعِهَا كَالْمَرَضِ الْمُضْنِي لَهَا، أَوْ كَالرَّتَقِ الَّذِي يَمْنَعُ مِنَ الْوُصُولِ إِلَيْهَا، أَوْ كَانَا جَمِيعًا لَا عِلَّةَ بِهِمَا، وَلا بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا يَمْنَعُ مِنَ الْجِمَاعِ غَيْرَ أَنَّ بَيْنَهُمَا مِنَ الْمَسَافَةِ مَا لَا يَلْتَقِيَانِ فِيهِ إِلَى مُضُيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، أَوْ أَكْثَرَ مِنْهَا، فَإِنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ مُخْتَلِفُونَ فِي هَذَا، فَطَائِفَةٌ مِنْهُمْ تَقُولُ: الْفَيْءُ فِي هَذَا قَوْلُ الزَّوْجِ بِلِسَانِهِ: قَدْ فِئْتُ
، فَيَكُونُ فِي مَعْنَاهُ لَوْ فَاءَ إِلَيْهَا بِالْجِمَاعِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى ذَلِكَ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا تَزُولُ عَنْهُ الْيَمِينُ الَّتِي حَلَفَ بِهَا كَمَا تَزُولُ لَوْ كَانَ جَامَعَهَا فِي الأَرْبَعَةِ الأَشْهُرِ قَبْلَ مُضِيِّهَا وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ كَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي يُوسُفَ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَمْ يَحْكِ خِلافًا وَقَدْ قَالَ هَذَا غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ سِوَاهُمْ مِمَّنْ كَانَ يَذْهَبُ إِلَى أَنَّ مُضِيَّ الأَرْبَعَةِ الأَشْهُرِ هِيَ عَزِيمَةٌ مِنَ الْمُولِي لِوُقُوعِ الطَّلاقِ عَلَى الَّتِي آلَى مِنْهَا وَمِمَّنْ كَانَ يَقُولُ: لَا يَكُونُ بِمُضِيِّ الأَرْبَعَةِ الأَشْهُرِ عَزِيمَةٌ مِنْهُ لِوُقُوعِ الطَّلاقِ عَلَيْهَا، وَقَدْ كَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ بِلِسَانِهِ: قَدْ فِئْتُ إِلَيْهَا فَيْئًا، لأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُزِيلٍ لِلْيَمِينِ، فكَمَا لَا يُزِيلُ الْيَمِينَ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute