فَهَذَا عِنْدَنَا، وَاللهُ أَعْلَمُ، يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَذْهَبَ سَعِيدٍ أَنَّ الطَّلاقَ الَّذِي يَقَعُ عَلَى الْمَرْأَةِ بِالْفُرْقَةِ فِي اللِّعَانِ طَلاقٌ لَا يُبِينُهَا مِنْهُ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا، وَيُوجِبُ لَهَا رَجْعَتَهَا إِلَى انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا وَلا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَافَقَهُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَكَانَ يَذْهَبُ، كَمَا ذَكَرْنَا عَنْهُ، أَنَّهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا، إِلَى قَوْلِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُلاعِنِ فِي حَدِيثِ ابْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " لَا سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهَا " وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ بِإِسْنَادِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَلَمَّا أَطْلَقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الْقَوْلَ، وَلَمْ يَقُلْ: مَا لَمْ تُكَذِّبْ نَفْسَكَ، دَلَّ ذَلِكَ عَلَى ارْتِفَاعِ سَبِيلِهِ عَنْهَا أَبَدًا، وَلَوْ كَانَ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّهَا حَرَامٌ عَلَيْهِ إِلَى مُدَّةٍ مَا لَذَكَرَ ذَلِكَ، كَمَا قَالَ الله عَزَّ وَجَلَّ: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} وَكَانَ مِنَ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ لِمُخَالِفِيهِ فِي هَذَا: أَنَّ قَوْلَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُلاعِنِ: " لَا سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهَا " يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لَا سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهَا إِذْ كُنْتَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ الَّذِي يَمْنَعُ مِنْ بَقَاءِ النِّكَاحِ إِذَا رَجَعْتَ عَنْهُ
وَقَدْ وَجَدْنَا مِثْلَ ذَلِكَ فِي كَلامِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ قَوْلُهُ لأُمِّ حَبِيبَةَ لَمَّا قَالَتْ لَهُ: هَلْ لَكَ فِي أُخْتِي؟: " إِنَّها لَا تَحِلُّ لِي " وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ فِي بَابِ الرَّضَاعِ مِنْ كُتُبِنَا هَذِهِ، فَلَمْ يَكُنْ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّها لَا تَحِلُّ لِي " يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنَّهَا لَا تَحِلُّ لَهُ أَبَدًا، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّهَا لَا تَحِلُّ لِي مَا كُنْتِ أَنْتِ عِنْدِي، وَمَا كَانَ نِكَاحِي عَلَيْكِ، وَمَا لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُكِ مِنِّي، فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: " لَا سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهَا " لَا يُوجِبُ رَفْعَ سَبِيلَهُ عَنْهَا أَبَدًا حَتَّى لَا يَكُونَا زَوْجَيْنِ فِي الْمُسْتَأْنَفِ وَقَدْ كَانَ الشَّافِعِيُّ بِهَذَا الْقَوْلِ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ، لأَنَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّ مَنْ رَوَى حَدِيثًا كَانَ أَعْلَمَ بِتَأْوِيلِهِ، فَهَذَا إِنَّمَا رَوَاهُ سَعِيدٌ، وَقَدْ قَالَ سَعِيدٌ فِي الْمُلاعِنِ " إِذَا أَكْذَبَ نَفْسَهُ رُدَّتْ إِلَيْهِ امْرَأَتُهُ مَا كَانَتْ فِي الْعِدَّةِ "، فَلَمْ يَجْعَلْ ذَلِكَ السَّبِيلَ كَمَا تَأَوَّلَ الشَّافِعِيُّ فِي حَدِيثِهِ وَكَذَلِكَ الزُّهْرِيُّ فَقَدْ ذَكْرَنا عَنْهُ مُضِيَّ السُّنَّةِ " أَلا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا "، وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ مَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute