أيضا، ثم قال أرض القاطول غير طائلة وإنما هي حصار وأفهار «١» ، والبناء بها صعب جدا وليس لأرضها سعة، ثم ركب متصيّدا فمر في مسيره حتى صار إلى موضع سر من رأى صحراء من أرض الطيرهان لا عمارة بها ولا أنيس فيها إلا دير للنصارى، فوقف بالدير وكلم من فيه من الرهبان، وقال ما اسم هذا الموضع؟ فقال له بعض الرهبان:
نجد في كتبنا المتقدمة أن هذا الموضع يسمى سر من رأى، وأنه كان مدينة سام بن نوح وأنه سيعمر بعد الدهور على يد ملك جليل مظفر منصور له أصحاب كأن وجوههم وجوه طير الفلاة ينزلها وينزلها ولده.
فقال: أنا والله أبنيها وأنزلها وينزلها ولدي، ولقد أمر الرشيد يوما أن يخرج ولده إلى الصيد فخرجت مع محمد والمأمون، وأكابر ولد الرشيد فاصطاد كل واحد منا صيدا، واصطدت بومة، ثم انصرفنا، وعرضنا صيدنا عليه فجعل من كان معنا من الخدم يقول هذا صيد فلان، وهذا صيد فلان حتى عرض عليه صيدي فلما رأى البومة، وقد كان الخدم أشفقوا من عرضها لئلا يتطيّر بها أو ينالني منه غلظة، فقال من صاد هذه؟ قالوا: أبو إسحاق فاستبشر وضحك وأظهر السرور؛ ثم قال: أما أنّه يلي الخلافة ويكون جنده وأصحابه، والغالبون عليه قوما وجوههم مثل وجه هذه البومة فيبني مدينة قديمة، وينزلها هؤلاء القوم ثم ينزلها ولده من بعده. وما سر الرشيد يومئذ بشيء من الصيد كما سر بصيدي لتلك البومة.
ثم عزم المعتصم على أن ينزل بذلك الموضع فأحضر محمد بن عبد الملك الزيّات «٢» ، وابن أبي دؤاد، وعمر بن فرج، وأحمد بن خالد المعروف بأبي الوزير، وقال لهم اشتروا من أصحاب هذا الدير هذه الأرض، وادفعوا إليهم ثمنها أربعة آلاف دينار «٣» ففعلوا ذلك ثم أحضر المهندسين، فقال اختاروا أصلح هذه المواضع،