عظيمة من الشارع الذي يأخذ من وادي إبراهيم بن رياح، في كل صف حوانيت بها أصناف التجارات والصناعات والبياعات، عرض كل صف مائة ذراع بالذراع السوداء لئلا يضيق عليه الدخول إلى المسجد إذا حضر المسجد في الجمع في جيوشه وجموعه، وبخيله، ورجله. ومن كل صف إلى الذي يليه دروب وسكك فيها قطائع جماعة من عامة الناس، فاتسعت على الناس المنازل والدور.
واتسع أهل الأسواق والمهن والصناعات في تلك الحوانيت، والأسواق التي في صفوف المسجد الجامع، وأقطع نجاح بن سلمة الكاتب في آخر الصفوف مما يلي قبلة المسجد، وأقطع أحمد بن إسرائيل الكاتب أيضا بالقرب من ذاك، وأقطع محمد بن موسى المنجم وإخوته وجماعة من الكتاب والقوّاد والهاشميين وغيرهم، وعزم المتوكل أن يبتني مدينة ينتقل إليها، وتنسب إليه، ويكون له بها الذكر فأمر محمد بن موسى المنجم ومن يحضر بابه من المهندسين أن يختاروا موضعا، فوقع اختيارهم على موضع يقال له الماحوزة.
وقيل له: إن المعتصم قد كان على أن يبني ههنا مدينة، ويحفر نهرا قد كان في الدهر القديم فاعتزم على ذلك وابتدأ النظر فيه في سنة خمس وأربعين، ووجّه في حفر ذلك النهر ليكون وسط المدينة فقدر النفقة على ألف ألف وخمسمائة ألف دينار، فطاب نفسا بذلك ورضي به وابتدأ الحفر وأنفقت الأموال الجليلة على ذلك النهر واختطّ موضع قصوره ومنازله.
وأقطع ولاة عهوده وسائر أولاده وقوّاده وكتّابه، وجنده، والناس كافة، ومدّ الشارع الأعظم من دار أشناس التي بالكرخ، وهي التي صارت للفتح بن خاقان مقدار ثلاثة فراسخ إلى قصوره.
وجعل دون قصوره ثلاثة أبواب عظام جليلة يدخل منها الفارس برمحه، وأقطع الناس يمنة الشارع الأعظم ويسرته، وجعل عرض الشارع الأعظم مائتي ذراع، وقدّر أن يحفر في جنبي الشارع نهرين يجري فيهما الماء من النهر الكبير الذي يحفره.
وبنيت القصور وشيّدت الدور، وارتفع البناء وكان يدور بنفسه، فمن رآه قد جدّ في البناء أجازه وأعطاه، فجدّ الناس.
وسمّى المتوكل هذه المدينة الجعفرية «١» ؛ واتصل البناء من الجعفرية إلى