وحتى لو تكلموا في مسائل الدين التي يعرفون فإنهم لا يجزمون بالتحليل والتحريم، قال ابن القيم:"قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ: لَمْ يَكُنْ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ وَلَا مَنْ مَضَى مِنْ سَلَفِنَا، وَلَا أَدْرَكْت أَحَدًا أَقْتَدِي بِهِ يَقُولُ فِي شَيْءٍ: هَذَا حَلَالٌ، وَهَذَا حَرَامٌ، وَمَا كَانُوا يَجْتَرِئُونَ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنَّمَا كَانُوا يَقُولُونَ: نَكْرَهُ كَذَا، وَنَرَى هَذَا حَسَنًا؛ فَيَنْبَغِي هَذَا، وَلَا نَرَى هَذَا"(١).
وخوفهم هذا كان من قولٍ يعرفونه أو حُكمٍ سُبقوا إليه، أما أن يسبق أحدهم غيره لقول جديد في مسألة فهذا من أشق الأمور عليهم؛ لمعرفتهم أنهم يتكلمون عن حكم الله في هذه المسألة، وهذا ليس بالأمر الهين لمن عظم الله في نفسه، ووضع نصب عينيه قول الله تعالى:{وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ}[النحل: ١١٦].