وانطلاقا من أنَّ هذه الأمة -كما أدرك مالك أيضا- تختلف عن كل الأمم في أبجديات الرُّقي الحضاري؛ ذلك لأننا قد علمنا من الوحي، ومنِ التجارب البشرية التي تعرض لها المسلمون خلال أربعة عشر قرناً، أنه إذا صح أن تتطور الأمم الأخرى بنبذ ماضيها، وتراثها، وعقائدها، وبالبحث عن جديد، مهما كان مخالفاً لهذا الماضي، فإِنه لن يصح لهذه الأمة الإِسلامية المصطفاة لحمل آخر رسالة إِلهية إِلى البشر أن تخضع لهذه المعادلة، ذلك لأن هذه الأمة تختلف تمام الاختلاف عن الأمم الأخرى، فلا يمكن لها أن تنهض من كبوتها، أو تتطور إِلى الأمام، إِلا إِذا عادت إِلى منطلقها، وقواعدها الثابتة.
ولعل سائلاً يسأل: لم تنفرد الأمة الإِسلامية عن بقية الأمم؟ هل هو غرور استعلائي عنصري؟ أو هو حب للتخلف؟ أو تقديس للماضي؟
إِن الإِجابة عن هذه الأسئلة وغيرها، لا يمكن أن يقدّرها حق قدرها إلا من وقف على خصائص الإِسلام، الدين الخاتم، والرسالة الخاتمة، ووقف أيضاً على وظيفة المسلمين.
إِن هذا الدين يتميز بخصائص كثيرة يتفرَّد بها عما لدى الأمم الأخرى من مناهج، ولعل من أهم هذه الخصائص: خاصية أن مصدر هذا الدين كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه،