عبدي وأنا ربك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أخطأ من شدة الفرح " ولم يكن بذلك كافرا لعدم قصده وذكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك تحقيقا لشدة الفرح الذي أفضى به إلى ذلك وإنما كانت هذه الأشياء قد توجب السكر لأن السكر سببه ما يوجب اللذة القاهرة التي تغمر العقل وسبب اللذة إدراك المحبوب فإذا كانت المحبة قوية وإدراك المحبوب قويا والعقل ضعيفا حدث السكر لكن ضعف العقل يكون تارة من ضعف المحبة وتارة من قوة السبب الوارد ولهذا يحصل السكر للمبتدئين في إدراك الرئاسة والمال والعشق والخمر مالا يحصل لمن اعتاد ذلك وتمكن فيه
فصل
ومن أقوى أسباب السكر الموجبة له سماع الأصوات المطربة من جهتين من جهة أنها في نفسها توجب لذة قوية ينغمر معها العقل ومن جهة أنها تحرم النفس إلى نحو محبوبها كائنا ما كان فيحصل بتلك الحركة الشوق والطلب مع التخيل للمحبوب وإدناء صورته إلى القلب واستيلائها على الفكرة لذة عظيمة تقهر العقل فتجتمع لذة الألحان ولذة الأشجان ولهذا يقرن المعنيون بهذه اللذات سماع الألحان بالشراب كثيرا ليكمل لهم السكر بالشراب والعشق والصوت المطرب فيجدون من لذة الوصال وسكره في هذه الحال مالا يجدونه بدونها
فالخمر شراب النفوس والألحان شراب الأرواح ولا سيما إذا اقترن بها من الأقوال ما فيه ذكر المحبوب ووصف حال المحب على مقتضىالحال التي