[الباب الثاني والعشرون: في غيرة المحبين على أحبابهم]
لما كان هذا الباب متصلا بإفراد المحبوب بالمحبة ومن موجباته فإن الغيرة بحسب قوة المحبة وقوتها بحسب إفراد المحبوب حسن ذكره بعده
وأصل الغيرة الحمية والأنفة والغيرة نوعان غيرة للمحبوب وغيرة عليه فأما الغيرة له فهي الحمية له والغضب له إذا استهين بحقه وانتقصت حرمته وناله مكروه من عدوه فيغضب له المحب ويحمى وتأخذه الغيرة له بالمبادرة إلى التغيير ومحاربة من آذاه فهذه غيرة المحبين حقا وهي من غيرةالرسل وأتباعهم لله ممن أشرك به واستحل محارمه وعصى أمره
وهذه الغيرة هي التي تحمل على بذل نفس المحب وماله وعرضه لمحبوبه حتى يزول ما يكرهه فهو يغار لمحبوبه أن تكون فيه صفة يكرهها محبوبه ويمقته عليها أو يفعل ما يبغضه عليه ثم يغار له بعد ذلك أن يكون في غيره صفة يكرهها ويبغضها والدين كله في هذه الغيرة بل هي الدين وما جاهد مؤمن نفسه وعدوه ولا أمر بمعروف ولا نهى عن منكر إلا بهذه الغيرة ومتى خلت من القلب خلا من الدين فالمؤمن يغار لربه من نفسه ومن غيره إذا لم يكن له كما يحب والغيرة تصفي القلب وتخرج خبثه كما يخرج الكير خبث الحديد