فإن المحبة ثلاثة أقسام محبةالله والمحبة له وفيه والمحبة معه فالمحبة له وفيه من تمام محبته وموجباتها لا من قواطعها فإن محبة الحبيب تقتضي محبة ما يحب ومحبة ما يعين على حبه ويوصل إلى رضاه وقربه وكيف لا يحب المؤمن ما يستعين به على مرضاة ربه ويتوصل به إلى حبه وقربه وأما المحبة مع الله فهي المحبة الشركية وهي كمحبة أهل الأنداد لأندادهم كما قال تعالى {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ} وأصل الشرك الذي لا يغفره الله هو الشرك في هذه المحبة فإن المشركين لم يزعموا أن آلهتهم وأوثانهم شاركت الرب سبحانه في خلق السموات والأرض وإنما كان شركهم بها من جهة محبتها مع الله فوالوا عليها وعادوا عليها وتألهوها وقالوا هذه آلهة صغار تقربنا إلى الإله الأعظم ففرق بين محبة الله أصلا والمحبة له تبعا والمحبةمع شركا وعليك بتحقيق هذا الموضع فإنه مفرق الطرق بين أهل التوحيد وأهل الشرك
ويحكى أن الفضيل دخل على ابنته في مرضها فقالت له يا أبت هل تحبني قال نعم قالت لا إله إلا الله والله ما كنت أظن فيك هذا ولم أكن أظنك تحب مع الله أحدا ولكن أفرد الله بالمحبة واجعل لي منك الرحمة أي يكون حبك لي حب رحم جعلها الله في قلب الوالد لولده لا محبة مع الله فلله حق من المحبة لا يشركه فيه غيره وأظلم الظلم وضع تلك المحبة في غير موضعها والتشريك بين الله وغيره فيها فليتدبر اللبيب هذا الباب فإنه من أنفع أبواب الكتاب إن شاء الله تعالى