قلب عمر لذلك لما دخل فأنكره وكم بين من ترد عليه الواردات فكل منها يثير همته ويحرك قلبه إلىالله كما قال القائل
يذكرنيك الخير والشر والذي ... أخاف وأرجو والذي أتوقع
ومن يرد عليه من الواردات فيشغله عن الله ويقطعه عن سير قلبه إليه فالقلب الواسع يسير بالخلق إلى الله ما أمكنه فلا يهرب منهم ولا يلحق بالقفار والجبال والخلوات بل لو نزل به من نزل سار به إلى الله فإن لم يسر معه سار هو وتركه ولا ينكر هذا فالمحبة الصحيحة تقتضيه وخذ هذا في المغني إذا طرب فلو نزل به من نزل أطربهم كلهم فإن لم يطربوا معه لم يدع طربه لغلظ أكبادهم وكثافة طبعهم وكان شيخنا يميل إلى هذا القول وهو كما ترى قوته وحجته
والتحقيق أن المحبوب لذاته لا يمكن أن يكون إلا واحدا ومستحيل أن يوجد في القلب محبوبان لذاتهما كما يستحيل أن يكون في الخارج ذاتان قائمتان بأنفسهما كل ذات منهما مستغنية عن الأخرى من جميع الوجوه وكما يستحيل أن يكون للعالم ربان متكافئان مستقلان فليس الذي يحب لذاته إلا الإله الحق الغني بذاته عن كل ما سواه وكل ما سواه فقير بذاته إليه وأما ما يحب لأجله سبحانه فيتعدد ولا تكون محبة العبد له شاغلة له عن محبة ربه ولا يشركه معه في الحب فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب زوجاته وأحبهن إليه عائشة رضي الله عنها وكان يحب أباها ويحب عمر رضي الله عنهم وكان يحب أصحابه وهم مراتب في حبه لهم ومع هذا فحبه كله لله وقوى حبه جميعها منصرفة إليه سبحانه