ولا يشغله واحد من ذلك عن الآخر فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قلبه متوجه في الصلاة إلى ربه وإلىمراعاة أحوال من يصلي خلفه وكان يسمع بكاء الصبي فيخفف الصلاة خشية أن يشق على أمه أفلا ترى قلبه الواسع الكريم كيف اتسع للأمرين ولا يظن أن هذا من خصائص النبوة فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يجهز جيشه وهو في الصلاة فيتسع قلبه للصلاة والجهاد في آن واحد وهذا بحسب سعة القلب وضيقه وقوته وضعفه قالوا وكمال العبودية أن يتسع قلب العبد لشهود معبوده ومراعاة آداب عبوديته فلا يشغله أحد الأمرين عن الآخر وهذا موجود في الشاهد فإن الرجل إذا عمل عملا للسلطان مثلا بين يديه وهو ناظر إليه يشاهده فإن قلبه يتسع لمراعاة عمله وإتقانه وشهود إقبال السلطان عليه ورؤيته له بل هذا شأن كل محب يعمل لمحبوبه عملا بين يديه أو ي غيبته قالوا وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم بكى يوم موت ابنه إبراهيم فكان بكاؤه رحمة له فاتسع قلبه لرحمة الولد وللرضا بقضاء الله ولم يشغله أحدهما عن الآخر لكن الفضيل لم يتسع قلبه يوم موت ابنه لذلك فجعل يضحك فقيل له أتضحك وقد مات ابنك فقال إن الله سبحانه قضى بقضاء فأحببت أن أرضى بقضائه ومعلوم أن بين هذه الحال وحال رسول الله صلى الله عليه وسلم حينئذ تفاوت لا يعلمه إلا الله ولكن لم يتسع قلبه لما اتسع له قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم ونظير هذا اتساع قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم لغناء الجويريتين اللتين كانتا تغنيان عند عائشة رضي الله عنها فلم يشغله ذلك عن ربه ورأى فيه من مصلحة إرضاء النفوس الضعيفة بما يستخرج منها من محبة الله ورسوله ودينه فإن النفوس متى نالت شيئامن حظها طوعت ببذل ما عليها من الحق ولم يتسع