[الباب الخامس والعشرون: في رحمة المحبين والشفاعة لهم إلى أحبابهم في الوصال الذي يبيحه الدين]
قال الله تعالى:{من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها} وكل من أعان غيره على أمر بقوله أو فعله فقد صار شفيعا له والشفاعة للمشفوع له هذا أصلها فإن الشافع يشفع صاحب الحاجة فيصير له شفعا في قضائها لعجزه عن الاستقلال بها فدخل في حكم هذه الآية كل متعاونين على خير أو شر بقول أو عمل ونظيرها قوله تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} وفي الصحيح عنه أنه كان إذا جاءه طالب حاجة يقول: "اشفعوا تؤجروا ويقضي الله على لسان رسوله ما أحب" وفي صحيح البخاري أن بريرة لما عتقت اختارت نفسها فكان زوجها يمشي خلفها ودموعه تسيل على لحيته فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: "لوراجعتيه فإنه أبو ولدك" فقالت أتأمرني قال: "لا إنما أنا شافع" قالت فلا حاجة لي فيه فهذه شفاعة من سيد الشفعاء لمحب إلى محبوبه وهي من أفضل الشفاعات وأعظمها أجرا عند الله فإنها تتضمن اجتماع محبوبين على ما يحبه الله ورسوله ولهذا كان أحب ما لإبليس وجنوده التفريق بين هذين المحبوبين