أحدهما أن يكون المحبوب مؤثرا لذلك محبا له فالمحب يبذل جهده فيه لينال منه أعلاه إن أمكنه فإن كان المحبوب مشغوفا بجمع المال أثر ذلك في محبه شغفا أشد من شغفه وإن كان مشغوفا بالعلم اجتهد المحب في طلبه أشد من من اجتهاده وإن كان مشغوفا بحرفة أو صناعة حرص المحب علىتعلمها إن وجد إلى ذلك سبيلا وإن كان مشغوفا بالنوادر والحكايات الحسان والأخبار المستحسنة بالغ المحب في تحفظها فالمحبة النافعة أن تقع على عشق كامل يحملك عشقه على طلب الكمال والبلية كل البلية أن تبتلى بمحبة فارغ بطال صفر من كل خير فيحملك حبه على التشبه به
والثاني أن يكون المحبوب فارغا من محبة ذلك وإيثاره ولكن المحبة تستخرج من قلب المحب عزما وإرادة وحرصا على ما يعظم به في عين المحبوب وقلبه فتجده من أحرص الناس على ذلك بحسب استعداده كما قيل
ويرتاح للمعروف في طلب العلى ... لتحمد يوما عند ليلى شمائله
وهذا قد يكون له سبب آخر وهو معاداة الناس له وتنقصهم إياه وازدراؤهم به فيحمله الانتخاء لنفسه والغيرة لها ومحبتها على المنافسة في المعالي واكتساب الحمد وهذا من شرف النفس وعزتها كما قيل
من كان يشكر للصديق فإنني ... أحبو بصالح شكري الأعداء
هم صيروا طلب المعالي ديدني ... حتى وطئت بنعلي الجوزاء
ولربما انتفع الفتى بعدوه ... والسم أحيانا يكون شفاء
وقال الآخر
عداي لهم فضل علي ومنة ... فلا أعدم الرحمن عني الأعاديا