الرابع والأربعون أن الله سبحانه وتعالى جعل القلب ملك الجوارح ومعدن معرفته ومحبته وعبوديته وامتحنه بسلطانين وجيشين وعونين وعدتين فالحق والزهد والهدى سلطان وأعوانه الملائكة وجيشه الصدق والإخلاص ومجانبة الهوى والباطل سلطان وأعوانه الشياطين وجنده وعدته اتباع الهوى والنفس واقفة بين الجيشين ولا يقدم جيش الباطل على القلب إلا من ثغرتها وناحيتها فهي تخامر على القلب وتصير مع عدوه عليه فتكون الدائرة عليه فهي التي تعطي عدوها عدة من قبلها وتفتح له باب المدينة فيدخل ويتملك ويقع الخذلان على القلب
الخامس والأربعون أن أعدى عدو للمرء شيطانه وهواه وأصدق صديق له عقله والملك الناصح له فإذا اتبع هواه أعطي بيده لعدوه واستأسر له وأشمته به وساء صديقه ووليه وهذا هو بعينه هو جهد البلاء ودرك الشقاء وسوء القضاء وشماتة الأعداء
السادس والأربعون أن لكل عبد بداية ونهاية فمن كانت بدايته اتباع الهوى كانت نهايته الذل والصغار والحرمان والبلاء المتبوع بحسب ما اتبع من هواه بل يصير له ذلك في نهايته عذابا يعذب به في قلبه كما قال القائل
مآرب كانت في الشباب لأهلها ... عذابا فصارت في المشيب عذابا
فلو تأملت حال كل ذي حال سيئة زرية لرأيت بدايته الذهاب مع هواه وإيثاره على عقله ومن كانت بدايته مخالفة هواه وطاعة داعي رشده كانت نهايته العز والشرف والغنى والجاه عند الله وعند الناس قال أبو علي الدقاق من ملك شهوته في حال شبيبته أعزه الله تعالى في حال كهولته